للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاستشاط من ذلك غضبا، وقال: يا رباح، عليّ بصاحب هذه القصة.

فخرج الناس جميعا، فأدخل عليه غلام كما عذّر، كأهيأ الفتيان وأحسنهم.

فقال له عبد الملك: يا غلام، أهذه قصّتك؟

فقال: نعم، يا أمير المؤمنين.

قال: وما الذي غرّك مني، والله لأمثلنّ بك، ولأردعنّ بك نظراءك من أهل الجسارة، عليّ بالجارية، فجيء بجارية كأنّها فلقة قمر، وبيدها عود، فطرح لها كرسي، وجلست.

فقال عبد الملك: مرها يا غلام.

فقال لها: غنّيني يا جارية بشعر قيس بن ذريح:

لقد كنت حسب النفس لو دام ودّنا ... ولكنّما الدنيا متاع غرور

وكنّا جميعا قبل أن يظهر الهوى ... بأنعم حالي غبطة وسرور

فما برح الواشون حتى بدت لنا ... بطون الهوى مقلوبة لظهور

قال: فخرج الغلام من جميع ما كان عليه من الثياب تخريقا.

ثم قال له عبد الملك: مرها، تغنّيك الصوت الثاني.

فقال: غنّيني بشعر جميل:

ألا ليت شعري هل أبيتنّ ليلة ... بوادي القرى إنّي إذن لسعيد

إذا قلت: ما بي يا بثينة قاتلي ... من الحب، قالت: ثابت ويزيد

وإن قلت: ردّي بعض عقلي أعش به ... مع الناس قالت: ذاك منك بعيد

فلا أنا مردود بما جئت طالبا ... ولا حبّها فيما يبيد يبيد

يموت الهوى منّي إذا ما لقيتها ... ويحيا إذا فارقتها فيعود

فغنّته الجارية، فسقط الغلام مغشيا عليه ساعة، ثم أفاق.