للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

عدوهم. فكان تعجيل العذاب الأدنى في استدعائهم واستمالتهم، وردعهم عما يريد بهم، وتعديل طبائعهم، كتأخير العذاب الشديد على غيرهم، لأن الشديد المؤخر لا يزجر إلا أصحاب النظر في العواقب، وأصحاب العقول التي تذهب في المذاهب.

فسبحان من خالف بين طبائعهم وشرائعهم ليتفقوا على مصالحهم في دنياهم، ومراشدهم في دينهم، مع أن محمداً صلى الله عليه وسلم مخصوص بعلامة لها في العقل موقع، كموقع فلق البحر من العين، وذلك قوله لقريش خاصة، وللعرب عامة، مع ما فيهما من الشعراء والخطباء والبلغاء، والدهاة والحلماء، وأصحاب الرأي والمكيدة، والتجارب والنظر في العاقبة: إن عارضتموني بسورة واحدة فقد كذبت في دعواي، وصدقتم في تكذيبي.

ولا يجوز أن يكون مثل العرب في كثرة عددهم واختلاف عللهم، والكلام كلامهم، وهو سيد علمهم، فقد فاض بيانهم، وجاشت به صدورهم، وغلبتهم قوتهم عليه عند أنفسهم، حتى قالوا في الحيات والعقارب، والذباب والكلاب، والخنافس والجعلان، والحمير والحمام، وكل ما دب ودرج، ولاح لعين، وخطر على قلب. ولهم بعد أصناف النظم، وضروب التأليف، كالقصيد، والرجز، والمزدوج، والمجانس، والأسجاع والمنثور.

<<  <  ج: ص:  >  >>