للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعد، فقد هجوه من كل جانب، وهاجى أصحابه شعراءهم، ونازعوا خطباءهم، وحاجوه في المواقف، وخاصموه في المواسم، وبادوه العداوة، وناصبوه الحرب، فقتل منهم، وقتلوا منه، وهم أثبت الناس حقداً، وأبعدهم مطلباً، وأذكرهم لخير أو لشر، وأنفاهم له، وأهجاهم بالعجز، وأمدحهم بالقوة، ثم لا يعارضه معارض، ولم يتكلف ذلك خطيب ولا شاعر.

ومحال في التعارف، ومستنكر في التصادق، أن يكون الكلام أخصر عندهم، وأيسر مئونة عليهم، وهو أبلغ في تكذيبهم وأنقض لقوله، وأجدر أن يعرف ذلك أصحابه فيجتمعوا على ترك استعماله، والاستغناء به، وهم يبذلون مهجهم وأموالهم، ويخرجون من ديارهم في إطفاء أمره، وفي توهين ما جاء به، ولا يقولون، بل لا يقول واحد من جماعتهم: لم تقتلون أنفسكم، وتستهلكون أموالكم، وتخرجون من دياركم، والحيلة في أمره يسيرة، والمأخذ في أمره قريب؟ ! ليؤلف واحد من شعرائكم وخطبائكم كلاماً في نظم كلامه، كأقصر سورة يخذلكم بها، وكأصغر آية دعاكم إلى معارضتها. بل لو نسوا، ما تركهم حتى يذكرهم، ولو تغافلوا ما ترك أن ينبههم، بل لم يرض بالتنبيه دون التوقيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>