للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمة، وحكمهم حكم المسلمين المتعبدين. وإنما الإمام إمام المسلمين المتعبدين؟ قلنا: إنما يلزم الناس الأمر فيما عرفوا سبيله. وليس للعوام - خاصة - معرفة بسبيل إقامة الأئمة فيلزمها، أو يجري عليها أمر أو نهي.

والعامة وإن كانت تعرف جمل الدين بقدر ما معها من العقول، فإنه لم يبلغ من قوة عقولها، وكثرة خواطرها أن ترتفع إلى معرفة العلماء ولم يبلغ من ضعف عقولها أن تنحط إلى طبقة المجانين والأطفال.

وأقدار طبائع العوام والخواص، ليست مجهولة فيحتاج إلى الإخبار عنها بأكثر من التنبيه عليها؛ لأنكم تعلمون أن طبائع الرسل فوق طبائع الخلفاء، وطبائع الخلفاء فوق طبائع الوزراء، وكذلك الناس على منازلهم من الفضل، وطبقاتهم من التركيب، في البخل والسخاء، والبلادة والذكاء، والغدر والوفاء، والجبن والنجدة، والصبر والجزع، والطيش والحلم، والكبر والتيه، والحفظ والنسيان، والعي والبيان.

ولو كانت العامة تعرف من الدين والدنيا ما تعرف الخاصة، كانت العامة خاصة، وذهب التفاضل في المعرفة، والتباين في البنية. ولو لم يخالف بين طبائعهم لسقط الامتحان وبطل الاختيار، ولم يكن في الأرض اختيار، وإنما خولف بينهم في الغريزة ليصبر بها صابر، ويشكر شاكر، وليتفقوا على الطاعة، ولذلك كان الاختلاف، وهو سبب الائتلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>