للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَلَا يُنْشَرُ لَهُمُ الدِّيوَانُ، وَيُصَبُّ عَلَيْهِمُ الْأَجْرُ صَبًّا، كَمَا يُصَبُّ عَلَيْهِمُ الْبَلَاءُ، فَيَوَدُّ أَهْلُ الْعَافِيَةِ فِي الدُّنْيَا لَوْ أَنَّهُمْ كَانَتْ تُقْرَضُ أَجْسَادُهُمْ بِالْمَقَارِيضِ لِمَا يَرَوْنَ مِمَّا يَذْهَبُ بِهِ أَهْلُ الْبَلَاءَ مِنَ الثَّوَابِ "، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [الزمر: ١٠]

ذُكِرَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ مُؤْمِنًا وَكَافِرًا فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ انْطَلَقَا يَصِيدَانِ السَّمَكَ، فَأَخَذَ الْكَافِرُ يَذْكُرُ آلِهَتَهُ، فَمَا رَفَعَ شَبَكَتَهُ حَتَّى أَخَذَ سَمَكًا كَبِيرًا.

وَجَعَلَ الْمُؤْمِنُ يَذْكُرُ اللَّهَ فَلَا يَجِيءُ، ثُمَّ أَصَابَ سَمَكَةً عِنْدَ الْغُرُوبِ، وَاضْطَرَبَتْ فَوَقَعَتْ فِي الْمَاءِ، فَرَجَعَ الْمُؤْمِنُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَيْءٌ، وَرَجَعَ الْكَافِرُ وَقَدِ امْتَلَأَتْ شَبَكَتُهُ.

فَأَسِفَ مَلَكُ الْمُؤْمِنِ الْمُوَكَّلُ بِهِ.

فَلَمَّا صَعِدَ إِلَى السَّمَاءِ أَرَاهُ اللَّهُ سَكَنَ الْمُؤْمِنِ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ: وَاللَّهِ مَا يَضُرُّهُ مَا أَصَابَهُ بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ إِلَى هَذَا.

وَأَرَاهُ مَسْكَنَ الْكَافِرِ فِي النَّارِ، فَقَالَ وَاللَّهِ مَا يُغْنِي عَنْهُ مَا أَصَابَ مِنَ الدُّنْيَا بَعْدَ أَنْ يَصِيرَ إِلَى هَذَا.

وَيُقَالُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَحْتَجُّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَرْبَعَةٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَجْنَاسٍ: يَحْتَجُّ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ بِسُلَيْمَانَ بْنِ دَاوُدَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ.

فَإِذَا قَالَ الْغَنِيُّ: الْغِنَى شَغَلَنِي عَنْ عِبَادَتِكَ يَحْتَجُّ عَلَيْهِ بِسُلَيْمَانَ، وَيَقُولُ لَهُ: لَمْ تَكُنْ أَغْنَى مِنْ سُلَيْمَانَ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ غِنَاهُ عَنْ عِبَادَتِي وَيَحْتَجُّ عَلَى الْعَبِيدِ بِيُوسُفَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ: كُنْتُ عَبْدًا وَالرِّقُّ مَنَعَنِي عَنْ عِبَادَتِكَ.

فَيَقُولُ لَهُ: إِنَّ يُوسُفَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَمْنَعْهُ رِقُّهُ عَنْ عِبَادَتِي.

وَعَلَى الْفُقَرَاءِ بِعِيسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَيَقُولُ الْفَقِيرُ: إِنَّ حَاجَتِي مَنَعَتْنِي عَنْ عِبَادَتِكَ.

فَيَقُولُ: أَنْتَ كُنْتَ أَحْوَجَ إِلَى أَمْ عِيسَى، وَعِيسَى لَمْ يَمْنَعْهُ فَقْرُهُ عَنْ عِبَادَتِي.

وَعَلَى الْمَرْضَى بِأَيُّوبَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، فَيَقُولُ الْمَرِيضُ: مَنَعَنِي الْمَرَضُ عَنْ عِبَادَتِكَ.

فَيَقُولُ مَرَضُكَ كَانَ أَشَدَّ أَمْ مَرَضُ أَيُّوبَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَمْ يَمْنَعْهُ مَرَضُهُ عَنْ عِبَادَتِي.

<<  <   >  >>