للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَيُزَيِّنُ الْمَعْصِيَةَ، وَلَيْسَ بِيَدِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي دَفْعِ الْوَسْوَسَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَيَجْتَهِدَ فِي مُخَالَفَةِ عَدُوِّهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا} [فاطر: ٦] ، وَيَنْبَغِي لِلْعَاقِلِ أَنْ يَعْرِفَ صَدِيقَهُ مِنْ عَدُوِّهِ، فَيُطِيعَ صَدِيقَهُ، وَلَا يَتَّبِعُ عَدُوَّهُ، فَإِنَّهُ يُقَالُ: عَلَامَةُ الْجَاهِلِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا: الْغَضَبُ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ.

وَالثَّانِي: اتِّبَاعُ النَّفْسِ فِي الْبَاطِلِ، وَالثَّالِثُ: إِنْفَاقُ الْمَالِ فِي غَيْرِ حَقٍّ، وَالرَّابِعُ: قِلَّةُ مَعْرِفَةِ صَدِيقِهِ مِنْ عَدُوِّهِ، وَيَعْنِي يَخْتَارُ طَاعَةَ الشَّيْطَانِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَبِئْسَ الْبَدَلُ طَاعَةُ الشَّيْطَانِ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا} [الكهف: ٥٠] ، وَعَلَامَةُ الْعَاقِلِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: الْحِلْمُ عَنِ الْجَاهِلِ، وَرَدُّ النَّفْسِ عَنِ الْبَاطِلِ، وَإِنْفَاقُ الْمَالِ فِي حَقِّهِ، وَمَعْرِفَةُ صَدِيقِهِ مِنْ عَدُوِّهِ وَذُكِرَ عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبَّهٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى , أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ إِبْلِيسَ لَقِيَ يَحْيَى بْنَ زَكَرِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلَامُ فَقَالَ لَهُ يَحْيَى بْنُ زَكَرِيَّا: أَخْبِرْنِي عَنْ طَبَائِعِ ابْنِ آدَمَ عِنْدَكُمْ؟ فَقَالَ إِبْلِيسُ: أَمَّا صِنْفٌ مِنْهُمْ، فَهُوَ مِثْلُكَ مَعْصُومُونَ لَا تَقْدِرُ مِنْهُمْ عَلَى شَيْءٍ، وَالصِّنْفُ الثَّانِي، فَهُمْ فِي أَيْدِينَا كَالْكُرَةِ فِي أَيْدِي صِبْيَانِكُمْ، وَقَدْ كَفَوْنَا أَنْفُسَهُمْ، وَالصِّنْفُ الثَّالِثُ، فَهُمْ أَشَدُّ الْأَصْنَافِ عَلَيْنَا، فَنُقْبِلُ عَلَى أَحَدِهِمْ حَتَّى نُدْرِكَ مِنْهُ حَاجَتَنَا، ثُمَّ يَفْزَعَ إِلَى الِاسْتِغْفَارِ فَيُفْسِدُ بِهِ عَلَيْنَا مَا أَدْرَكْنَا مِنْهُ، فَلَا نَحْنُ نَيْئَسُ مِنْهُ وَلَا نَحْنُ نُدْرِكُ حَاجَتَنَا مِنْهُ وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: نَظَرْتُ وَتَفَكَّرْتُ مِنْ أَيِّ بَابٍ يَأْتِي الشَّيْطَانُ إِلَى الْإِنْسَانِ، فَإِذَا هُوَ يَأْتِي مِنْ عَشْرَةِ أَبْوَابٍ: أَوَّلُهَا: يَأْتِي مِنْ قِبَلِ الْحِرْصِ وَسُوءِ الظَّنِّ، فَقَابَلْتُهُ بِالثِّقَةِ وَالْقَنَاعَةِ فَقُلْتُ بِأَيِّ آيَةٍ أَتَقَوَّى عَلَيْهِ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَوَجَدْتُ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] ، الْآيَةُ.

فَكَسَرْتُهُ بِذَلِكَ.

<<  <   >  >>