للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هَلْ رَأَيْتَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ الرَّاعِي: عَسَى أَنَّكُمَا تَطْلُبَانِ الْهَارِبَ مِنْ جَهَنَّمَ؟ قَالَا: نَعَمْ.

فَدُلَّنَا عَلَى مَوْضِعِهِ قَالَ: إِذَا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ حَضَرَ هَذَا الْوَادِي حَتَّى يَجِيءَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، ثُمَّ يُنَادِي بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَاذُلَّ مَقَامَاهُ مَقَامُ مَنْ عَصَى رَبَّهُ، فَأَقَامَا حَتَّى جَنَّ عَلَيْهِمَا اللَّيْلُ إِذْ أَقْبَلَ ثَعْلَبَةُ فَأَتَى الشَّجَرَةَ فَخَرَّ تَحْتَهَا سَاجِدًا بَاكِيًا، فَلَمَّا سَمِعَ بُكَاءَهُ سَلْمَانُ مَشَى إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُ: يَا ثَعْلَبَةُ قُمْ فَإِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ قَدْ غَفَرَ لَكَ.

قَالَ: كَيْفَ تَرَكْتُمَا حَبِيبِي مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ سَلْمَانُ: كَمَا يُحِبُّ اللَّهُ وَتُحِبُّ أَنْتَ، فَلَمَّا أَقَامَ بِلَالٌ الصَّلَاةَ أَدْخَلَاهُ الْمَسْجِدَ فَأَقَامَاهُ فِي آخِرِ الصَّفِّ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ، فَشَهَقَ شَهْقَةً، فَلَمَّا تَلَى: {حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ} [التكاثر: ٢] ، شَهَقَ شَهْقَةً أُخْرَى وَفَارَقَ الدُّنْيَا، فَلَمَّا انْفَتَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ إِلَى ثَعْلَبَةَ فَقَالَ: «يَا سَلْمَانُ انْضَحْ عَلَيْهِ الْمَاءَ» فَنَادَى سَلْمَانُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ فَارَقَ الدُّنْيَا، فَأَقْبَلَتِ ابْنَتُهُ، فَقَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا فَعَلَ وَالِدِي، فَإِنِّي كُنْتُ بِالْأَشْوَاقِ إِلَيْهِ، قَالَ: «ادْخُلِي الْمَسْجِدَ» ، فَدَخَلَتْ فَإِذَا هِيَ بِوَالِدِهَا مَيِّتٌ مُسَجًّى فَوَضَعَتْ يَدَهَا عَلَى رَأْسِهَا، ثُمَّ أَنْشَأَتْ تُنَادِي: وَاغَمَّاهُ فَمَنْ لِي بَعْدَكَ يَا أَبَتَاهُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا خَمْصَانَةُ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَكُونَ لَكِ وَالِدًا، وَتَكُونَ فَاطِمَةُ لَكِ أُخْتًا؟» فَقَالَتْ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَلَمَّا حُمِلَ ثَعْلَبَةُ أَقْبَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْبَعُ جِنَازَتَهُ حَتَّى إِذَا بَلَغَ شَفِيرَ الْقَبْرِ، أَقْبَلَ يَمْشِي عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ تَمْشِي عَلَى أَطْرَافِ أَصَابِعِكَ.

قَالَ: «يَا عُمَرُ مَا قَدَرْتُ أَنْ أَضَعَ بَطْنَ قَدَمَيَّ مِنْ كَثْرَةِ الْمَلَائِكَةِ»

قَالَ الْفَقِيهُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: قَدْ رُوِيَ هَذَا الْخَبَرُ بِأَلْفَاظٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَيُقَالُ هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي شَأْنِهِ: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ} [آل عمران: ١٣٥] إِلَى قَوْلِهِ: {وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [آل عمران: ١٣٦]

<<  <   >  >>