للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يَنْدَمُ وَيَسْتَغْفِرُ، وَأَمَّا الذَّنْبُ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْعِبَادِ، فَمَا لَمْ تُرْضِهِمْ لَا تَنْفَعْكَ التَّوْبَةُ حَتَّى يُحَلِّلُوكَ.

وَرُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ الْمُذْنِبَ يُذْنِبُ فَلَا يَزَالُ نَادِمًا مُسْتَغْفِرًا حَتَّى يَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ الشَّيْطَانُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوقِعْهُ فِيهِ.

وَذُكِرَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْوَاسِطِيِّ أَنَّهُ قَالَ: التَّأَنِّي فِي كُلِّ شَيْءٍ حَسَنٌ إِلَّا فِي ثَلَاثِ خِصَالٍ: عِنْدَ وَقْتِ الصَّلَاةِ، وَعِنْدَ دَفْنِ الْمَيِّتِ، وَالتَّوْبَةِ عَنِ الْمَعْصِيَةِ.

وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ إِنَّمَا تُعْرَفُ تَوْبَةُ الرَّجُلِ فِي أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ: أَحَدُهَا أَنْ يُمْسِكَ لِسَانَهُ مِنَ الْفُضُولِ وَالْغِيبَةِ وَالْكَذِبِ.

وَالثَّانِي أَنْ لَا يَرَى لِأَحَدٍ فِي قَلْبِهِ حَسَدًا وَلَا عَدَاوَةً.

وَالثَّالِثُ: أَنْ يُفَارِقَ أَصْحَابَ السُّوءِ.

وَالرَّابِعُ: أَنْ يَكُونَ مُسْتَعِدًّا لِلْمَوْتِ نَادِمًا مُسْتَغْفِرًا لِمَا سَلَفَ مِنْ ذُنُوبِهِ مُجْتَهِدًا عَلَى طَاعَةِ رَبِّهِ.

وَقِيلَ لِبَعْضِ الْحُكَمَاءِ هَلْ لِلتَّائِبِ مِنْ عَلَامَةٍ يَعْرِفُ أَنَّهُ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ عَلَامَتُهُ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا أَنْ يَنْقَطِعَ عَنْ أَصْحَابِ السُّوءِ وَيُرِيهِمْ هَيْبَةً مِنْ نَفْسِهِ، وَيُخَالِطَ الصَّالِحِينَ، وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مُنْقَطِعًا عَنْ كُلِّ ذَنْبٍ وَمُقْبِلًا عَلَى جَمِيعِ الطَّاعَاتِ.

وَالثَّالِثُ أَنْ يَذْهَبَ فَرَجُ الدُّنْيَا كُلِّهَا مِنْ قَلْبِهِ، وَيَرَى حُزْنَ الْآخِرَةِ كُلَّهَا دَائِمًا فِي قَلْبِهِ.

وَالرَّابِعُ أَنْ يَرَى نَفْسَهُ فَارِغًا عَمَّا ضَمِنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ مِنَ الرِّزْقِ، مُشْتَغِلًا بِمَا أُمِرَ بِهِ، فَإِذَا وَجَدْتَ فِيهِ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ فَهُوَ مِنَ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي حَقِّهِمْ: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: ٢٢٢] ، وَوَجَبَ لَهُ عَلَى النَّاسِ أَرْبَعَةُ أَشْيَاءَ: أَوَّلُهَا أَنْ يُحِبُّوهُ.

فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ أَحَبَّهُ.

وَالثَّانِي أَنْ يَحْفَظُوهُ بِالدُّعَاءِ، عَلَى أَنْ يُثَبِّتَهُ اللَّهُ عَلَى التَّوْبَةِ.

<<  <   >  >>