للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأنشد أبو عمرو:

إنّ أبا عمرة شرّ جار ... يجرّني في ظلم الصحاري

جرّ الذئاب جيفة الحمار

وأبو عمرة هو الجوع. قيل لأعرابيّ: أتعرف أبا عمرة؟ فقال: كيف لا أعرفه؟ وهو متربّع في كبدي. اتخذ بنو حنيفة إلها من حيس «١» فعبدوه سنين ثم أصابهم مجاعة فأكلوه. دعا يحيى بن أكثم عدوله فقدّم إليهم مائدة صغيرة، فتضامّوا عليها حتى كان أحدهم يتقدّم فيأخذ اللقمة ثم يتأخر حتى يتقدّم الآخر، فلمّا خرجوا قيل لهم: أين كنتم؟ قالوا: كنّا في صلاة الخوف. سئل بعض الظرفاء عن دعوة حضرها فقال: كان كلّ شيء باردا إلّا الماء. بنى بدويّ على أهله ولم يولم، فاجتمع فتيان الحيّ يطوفون بخبائه وهم يقولون: أولم ولو بيربوع، أو بقراد مجدوع، قتلتنا من الجوع. سأل رجل يزيد بن هارون عن أكل المدر قال: حرام، قال الله تعالى: كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ

«٢» ولم يقل: كلوا الأرض. قيل لشيخ: ما أحسن أكلك؟ قال: عملي منذ ستين سنة. رأى المغيرة على مائدته رجلا ينهش اللحم ويتعرّق فقال: يا غلام ناوله سكينا.

فقال: سكين كل امرىء في رأسه. قيل لسعد القرقرة وهو مضحك النعمان بن المنذر: ما رأيتك إلا وكنت تزيد شحما وتقطر دما. فقال: لأني آخذ ولا أعطي ولا ألام متى أخطىء فأنا الدهر ضاحك مسرور. (القرقرة: القهقهة) ، وهو معدود في الأكلة. قالوا: كلّ طعام أعيد عليه التسخين فهو فاسد، وكل غناء خرج من تحت السبال «٣» فبارد. شرب أعرابيّ نبيذا عند الموصلي فقال:

<<  <   >  >>