للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم كان مع ذلك غامضا? وهب أن الكلام المنثور كان واحدا لا يتجزأ، فلم كان واضحا? ثم لو سلمت إليه هذا، فماذا يقول في الكلام المسجوع الذي كل فقرة منه بمنزلة بيت من شعر?.

وأما قوله في الفرق بين الشاعر والكاتب "إن الشاعر من شأنه وصف الديار والآثار والحنين إلى الأهواء والأوطار والتشبيب بالنساء والطلب والاجتداء والمديح والهجاء، وإن الكاتب من شأنه الإفاضة في سداد ثغر أو إصلاح فساد أو تحريض على حياد أو احتجاج على فئة أو مجادلة لمسألة أو دعاء إلى ألفة أو نهي عن فرقة أو تهنئة بعطية أو تعزية برزية" فإن هذا تحكم محض لا يستند إلى شبهة، فضلا عن بينة.

وأي فرق بين الشاعر والكاتب في هذا المقام? فكما يصف الشاعر الديار والآثار، ويحن إلى الأهواء فكذلك الكاتب في الاشتياق إلى الأوطان، ومنازل الأحباب والإخوان، ويحن إلى الأهواء والأوطار، ولهذا كانت الكتب الإخوانيات بمنزلة الغزل والنسيب من الشعر.

وكما يكتب الكاتب في إصلاح فساد، أو سداد ثغر، أو دعاء إلى ألفة، أو نهي عن فرقة، أو تهنئة، أو تعزية، فكذلك الشاعر.

فإن شذ عن الصابي قصائد الشعراء في أمثال هذه المعاني فكيف خفي عنه قصيدة أبي تمام في استعطاف مالك بن طوق على قومه التي مطلعها:

لو أن دهرا رد رجع جوابي١


١ الشطر الثاني: أو كف من شأويه طول عتاب "الديوان ١/ ١٠٨".
الشأوان: تثنية شأو وهو الطلق، واستعارة ههنا للدهر كأنه يذهب إلى فعله الشيء وضده، والمراد من البيت أنه لو نفع عتابه للدهر لعاتبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>