للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرُدَّ بِأَنَّ السَّابِقَ إِلَى فَهْمِنَا وَفَهْمِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْمُفَارَقَةِ التَّسْرِيحُ، لَا تَرْكُ النِّكَاحِ، وَبِأَنَّهُ فَوَّضَ إِلَيْهِ ذَلِكَ مُسْتَقِلًّا بِهِ، وَابْتِدَاءُ النِّكَاحِ لَا يَسْتَقِلُّ بِهِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَى الْمَرْأَةِ، وَبِأَنَّ ابْتِدَاءَ النِّكَاحِ لَا يَخْتَصُّ بِهِنَّ، فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ: انْكِحْ أَرْبَعًا مِمَّنْ شِئْتَ، فَهَذِهِ قَرَائِنُ تَدْفَعُ تَأْوِيلَهُمْ.

ــ

قَوْلُهُ: «وَرُدَّ» ، أَيْ: تَأْوِيلُ الْحَنَفِيَّةِ الْمَذْكُورُ بِوُجُوهٍ دَلَّ عَلَيْهَا الْحَدِيثُ:

أَحَدُهَا: أَنَّ السَّابِقَ إِلَى فَهْمِنَا وَفَهْمِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ مِنَ الْإِمْسَاكِ الِاسْتِدَامَةُ، لَا ابْتِدَاءُ النِّكَاحِ، وَمِنَ الْمُفَارَقَةِ التَّسْرِيحُ، لَا تَرْكُ النِّكَاحِ، فَيَكُونُ هَذَا مَدْلُولَ اللَّفْظِ وَمُقْتَضَاهُ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ [هَذَا] السَّابِقُ إِلَى فَهْمِنَا مِنَ الْحَدِيثِ، ذَلِكَ الْوُجْدَانُ مِنَّا، وَالتَّأْوِيلُ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ، إِذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ ظَاهِرًا فِيمَا قُلْنَاهُ، لَمَا احْتَاجُوا إِلَى تَأْوِيلِهِ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ السَّابِقَ إِلَى فَهْمِنَا مِنَ الْحَدِيثِ ذَلِكَ الْوُجْدَانُ، ثَبَتَ أَنَّهُ السَّابِقُ إِلَى فَهْمِ الصَّحَابَةِ، لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ مَا كَانَ عَلَى مَا كَانَ، وَعَدَمُ التَّغْيِيرِ فِي الْأَلْفَاظِ وَالْمَوْضُوعَاتِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَّضَ ذَلِكَ - يَعْنِي الْإِمْسَاكَ وَالْفِرَاقَ - إِلَى غَيْلَانَ مُسْتَقِلًّا بِهِ، حَيْثُ قَالَ: أَمْسِكْ وَفَارِقْ، وَلَوْ كَانَ الْمُرَادُ بِهِ ابْتِدَاءً لِنِكَاحٍ، لَمَا اسْتَقَلَّ بِهِ بِالِاتِّفَاقِ، إِذْ لَا بُدَّ مِنْ رِضَى الزَّوْجَةِ، وَمِنَ الْوَلِيِّ عِنْدَنَا، فَكَانَ يَجِبُ أَنْ يَقُولَ: أَمْسِكْ أَرْبَعًا مِنْهُنَّ إِنْ رَضِينَ، وَيُبَيِّنَ لَهُ شَرَائِطَ النِّكَاحِ، لِأَنَّ ذَلِكَ بَيَانٌ فِي وَقْتِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، فَلَا يَجُوزُ تَأْخِيرُهُ، كَمَا قُرِّرَ فِي مَوْضِعِهِ، خُصُوصًا لِمَنْ هُوَ حَدِيثُ عَهْدٍ

<<  <  ج: ص:  >  >>