للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَدْ قِيلَ فِي حَمْلِ: «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ» عَلَى صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ: إِنَّهُ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، لِوُجُوبِهِمَا بِسَبَبٍ عَارِضٍ، فَهُوَ كَالْمُكَاتَبَةِ فِي حَدِيثِ النِّكَاحِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُمَا لَيْسَا مِثْلَهَا فِي النُّدْرَةِ وَالْقِلَّةِ. فَقَصْرُ مَضْمُونِ الْحَدِيثِ عَنْ صَوْمِ رَمَضَانَ، يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ قَوِيٍّ، فَحَصَلَ مِنْ هَذَا، أَنَّ إِخْرَاجَ النَّادِرِ قَرِيبٌ، وَالْقَصْرَ عَلَيْهِ مُمْتَنِعٌ، وَبَيْنَهُمَا دَرَجَاتٌ مُتَفَاوِتَةٌ، بُعْدًا وَقُرْبًا.

وَالْمُجْمَلُ يَأْتِي ذِكْرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

ــ

قَوْلُهُ: «وَقَدْ قِيلَ فِي حَمْلِ: لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ عَلَى صَوْمِ الْقَضَاءِ» ، إِلَى آخِرِهِ.

مَعْنَى هَذَا: أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ حَمَلُوا قَوْلَهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتِ الصِّيَامَ مِنَ اللَّيْلِ عَلَى صَوْمِ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ، فَقَالُوا: يَجِبُ تَبْيِيتُ النِّيَّةِ لَهُمَا، دُونَ شَهْرِ رَمَضَانَ، وَالْفَرْقُ أَنَّ زَمَنَ رَمَضَانَ مُتَعَيِّنٌ لِصِيَامِهِ فَرْضًا، بِخِلَافِ الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ، فَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: إِنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ فِي الْبُعْدِ وَالنُّدْرَةِ، كَتَأْوِيلِ حَدِيثِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ وَلِيٍّ عَلَى الْمُكَاتَبَةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ: «لَا صِيَامَ» صِيغَةُ عُمُومٍ، فَيَتَنَاوَلُ الْوَاجِبَ وَالتَّطَوُّعَ، فَإِذَا خَصَّ مِنْهَا التَّطَوُّعَ بِدَلِيلٍ جَازَ، وَكَانَ قَرِيبًا، لِقِلَّةِ التَّطَوُّعِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى أَصْنَافِ الصِّيَامِ. أَمَّا إِذَا قَصَرَ هَذَا الْعُمُومُ عَلَى الْقَضَاءِ وَالنَّذْرِ، كَانَ بَعِيدًا نَادِرًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ النَّفْلَ يَخْرُجُ مِنَ الْعُمُومِ بِاتِّفَاقٍ، وَصَوْمُ رَمَضَانَ الَّذِي هُوَ أَعْلَى الصِّيَامِ رُتْبَةً عِنْدَ الْخَصْمِ مُتَعَيِّنٌ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَضَاءُ، وَالنَّذْرُ، وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ، وَهِيَ وَاجِبَةٌ بِأَسْبَابٍ عَارِضَةٍ، فَهُوَ لِذَلِكَ نَادِرٌ، كَالْمُكَاتَبَةِ فِي حَدِيثِ النِّكَاحِ، وَالْمَعْرُوفُ مِنْ عَادَاتِ

<<  <  ج: ص:  >  >>