للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كاستئجارِ جملٍ يحملُ عليه مَحمِلاً وراكبين، وحَمَلَ مَحمِلاً معتاداً، ولو رآهُ الجمَّالُ فأجود. فإن استأجره لحملِ قدرِ زاد فأكلَ منهُ ردَّ عوضه. ومَن قال لغاصبِ دارٍ: فرِّغها وإلا فأجرتُها كلَّ شهرٍ بكذا، فلم يفرِّغ، فعليهِ المُسمَّى إلا إذا جحدَ الغاصبُ ملكَه، وإن أقامَ عليه بيِّنةً من بعد، أو أقرَّ بالملكِ له لكن قال: لا أريدُ بهذا الأجر

حملَهُ على شركةِ الوجوه، وفيه نظرٌ (١)؛ لأنَّه شركةُ الصَّنائعِ والتَّقبُّل، فكأنَّ صاحبَ «الهداية» أطلقَ شركةَ الوجوه؛ لأنَّ أحدَهما يتقبَّلُ العملُ بوجاهتِه، وهذا العقدُ غيرُ جائزٍ قياساً؛ لأنَّ أحدَهما يتقبَّلُ العملَ ويستأجرُ الآخرَ بنصفِ ما يخرجُ من عملِه، وهو مجهول، جائزٌ إستحساناً، ووجههُ: إنَّ تخصيصَ قبولِ العملِ بأحدِهما لا يدلُّ على نفيهِ من الآخر، فإذا عقدتَ شركةُ الصَّنائع، ويتقبّل أحدُهما العمل، ويعمل الآخر يجوز، فكذا هنا، والحاجةُ ماسَّةٌ بمثلِ هذا العقدِ فجوَّزناه.

(كاستئجارِ جملٍ يحملُ عليه مَحمِلاً (٢) وراكبين، وحَمَلَ مَحمِلاً معتاداً)، هذا عندنا، وعندَ الشَّافعيّ (٣) لا يجوزُ للجهالة، (ولو رآهُ الجمَّالُ فأجود (٤).

فإن استأجره لحملِ قدرِ زاد فأكلَ منهُ ردَّ عوضه (٥).

ومَن قال لغاصبِ دارٍ: فرِّغها وإلا فأجرتُها كلَّ شهرٍ بكذا، فلم يفرِّغ، فعليهِ المُسمَّى)؛ لأنَّهُ إذا عيَّنَ الأجرةَ والغاصبُ رضي بها فالعقدُ بينهما عقدُ إجارة؛ (إلا إذا جحدَ الغاصبُ ملكَه، وإن أقامَ عليه بيِّنةً من بعد)، فإنَّهُ إذا جحدَ ملكَهُ لم يكنْ راضياً بالإجارة مع أنَّ المغصوبَ منه أقامَ البيِّنةَ بعدَ جحودِ الغاصب أنَّهُ ملكه، ثمَّ عطفَ على قوله: إلاَّ إذا جحد قوله: (أو أقرَّ بالملكِ له لكن قال: لا أريدُ بهذا الأجر)، فإنَّهُ


(١) ومثله قال العيني في «الرمز» (٢: ٢٠٥) إذا قال: وفيه نظر؛ لأنَّ شركةَ الوجوه أن يشتركا على أن يشتريا بوجوههما ويبيعا، وليس في هذهِ بيعٌ ولا شراء، فكيف يتصوّر أن يكون شركةُ الوجوه.
(٢) مَحمِلاً: بفتح الميم الأولى وكسر الثانية، وبالعكس: الهودجُ الكبير الحجّاجيّ. ينظر: «المغرب» ٠ ص ١٢٨).
(٣) ينظر: «النكت» (ص ٥٦٣)، وغيرها.
(٤) أي أحسن؛ لأن المشاهدة أنفى للجهالة، وأقرب إلى تحقّق الرضا. ينظر: «الهداية» (٣: ٢٥٢).
(٥) أي عوض ما أكل؛ لأن المستحقّ عليه حمل معلوم في جميع الطريق فله استيفاؤه. ينظر: «مجمع الأنهر» (٢: ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>