للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الذِّكْرَى, أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى, فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى, وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى, وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى, وَهُوَ يَخْشَى, فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى, كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ} ١..

والمعهود في سيرته -صلى الله عليه وسلم- أنه كان منذ نعومة أظفاره مثلًا فريدًا في حسن الخُلُق، وكريم السجايا، وصدق اللَّهجة، وإخلاص القول والعمل، وقد شهد له بهذا قومه عندما دعاهم في مطلع الدعوة وقال لهم: "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلًا بظهر هذا الوادي تريد أن تُغير عليكم أكنتم مُصَدِّقِيَّ؟ " قالوا: نعم، ما جرَّبنا عليك كذبًا"٢. وكانت سيرته العطرة مهوى أفئدة الناس إليه للدخول في الإسلام، عن عبد الله بن سلام رضي الله عنه قال: "لما قَدِمَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، انجفل الناس إليه، وقيل: قَدِمَ رسول الله، قَدِمَ رسول الله، فجئتُ في الناس لأنظر إليه فلما استثبت وجه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عرفت أن وجهه ليس بوجه كذَّاب"٣.

وصاحب هذه الصفات العظيمة التي يُتَوِّجها الصدق ما ينبغي لأحد أن يمتري في قوله حينما أعلن نفسه بأنه ليس واضع ذلك الكتاب: {قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} ٤.

٢- وزعم الجاهليون قديمًا وحديثًا أنه عليه الصلاة والسلام كان له من حدة الذكاء، ونفاذ البصيرة، وقوة الفراسة، وشدة الفطنة، وصفاء النفس، وصدق التأمل، ما يجعله يدرك مقاييس الخير والشر، والحق والباطل، بالإلهام، ويتعرف على خفايا الأمور بالكشف والوحي النفسي، ولا يخرج القرآن عن أن يكون أثرًا للاستنباط العقلي، والإدراك الوجداني عبر عنه محمد بأسلوبه وبيانه.

وأي شيء في القرآن يعتمد على الذكاء والاستنباط والشعور؟

فالجانب الإخباري -وهو قسم كبير من القرآن- لا يماري عاقل في أنه لا يعتمد إلا على التلقي والتعلم.


١ عبس: ١-١١.
٢ رواه البخاري ومسلم.
٣ رواه الترمذي بسند صحيح.
٤ يونس: ١٥.

<<  <   >  >>