للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يُعرف فيها أحد يحمل وسام العلم والتعليم، وهذا واقع يشهد به التاريخ، ولا مرية فيه.

أما أن يكون له معلم من غير قومه فإن الباحث لا يستطيع أن يقع في التاريخ على كلمة واحدة تشهد بأنه لقي أحدًا من العلماء حدثه عن الدين قبل إعلان نبوته.

حقيقة إنه رأى في طفولته بحيرى الراهب في سوق بصرى بالشام، ولقي في مكة ورقة بن نوفل إثر مجيء الوحي، ولقي بعد الهجرة علماء من اليهود والنصارى، لكن المقطوع به أنه لم يتلق عن أحد من هؤلاء شيئًا من الأحاديث قبل نبوته، أما بعد النبوة، فقد كانوا يسألونه مجادلين فيستفيدون منه ويأخذون عنه، ولو كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذ شيئًا عن واحد منهم لما سكت التاريخ عنه، لأنه ليس من الهنات الهينات التي يتغاضى عنها الناس، لا سيما الذين يقفون للإسلام بالمرصاد، والكلمات التي ذكرها التاريخ عن راهب الشام أو ورقة بن نوفل كانت بشارة بنبوته عليه الصلاة والسلام١ أو اعترافًا بها٢.

ونقول لهؤلاء الذين يزعمون أن محمدًا كان يعلمه بشر: ما اسم هذا المعلم؟ وعندئذ نرى الجواب المتهافت المتداعي في "حدَّاد رومي"٣ ينسبون إليه ذلك، فكيف يستساغ عقلًا أن تكون العلوم القرآنية صادرة من رجل لم تعرفه


١ قال بحيرى عندما رأى في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سيما النبوة: "إن هذا الغلام سيكون له شأن عظيم".
٢ قال ورقة عندما سمع قصة النبي -صلى الله عليه وسلم- من صفة الوحي وقد أخذته خديجة إليه يرجف فؤاده: "هذا هو الناموس الذي أنزله الله على موسى، ليتني أكون حيًّا إذ يخرجك قومك، قال: "أومخرجي هم؟ " قال: نعم، لم يأت أحد قط بمثل ما جئت به إلا أوذي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا".
٣ كان غلامًا نصرانيًّا، واختلف أهل السيرة في اسمه فقيل: اسمه "سبيعة"، وقيل: "يعيش" وقيل: "بلعام".

<<  <   >  >>