للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

- و -

قال: أخرجتها من كتب أبي. قلت: لا ضير، أخرج إلي كتب أبيك التي أخرجت هذه الأحاديث منها.

قال أبو زرعة: فاصفر لونه وبقي (١)، وقال: الكتب ببيت المقدس. فقلت لا ضير، أنا أكتري فيجاء بها إلي، فأوجه إلى بيت المقدس، وأكتب إلى من كتبك معه حتى يوجهها فبقي ولم يكن له جواب.

فقلت له: ويحك أما تتقي الله! ما وجدت لأبيك ما تفقه (؟) به سوي هذا؟! أبوك عند الناس مستور وتكذب عليه! أما تتقي الله! فلم أزل أكلمه بكلام من نحو هذا ولم يقدر لي على جواب).

وهكذا يحفل هذا السفر بعلم جم غزير نادر، أصيل في بابه، يجمع العلم وأخبار العلم، وفيه ما يفتح للباحث آفاقا جديدة ويسهم في حل بعض ما يشكل عليه.

واستيفاءً لأقوال أبي زرعة في الرجال، فقد عقد المحقق بابا ثالثا، جمع في فصوله الثلاثة الأولى أسماء الرواة الذين نقل عن أبي زرعة جرحهم، ولم يذكروا في الكتابين السابقين، ثم أسماء الرواة الذين عدلهم، ثم أسماء الذين روى عنه تعديلهم وتجريحهم.

وإنصافا للحق وأهله، فقد لاحظ فضيلة الدكتور جزاه الله خيرا أن أبا زرعة - رحمه الله - إمام مجتهد في هذا الفن، قد تختلف أنظاره مع غيره من الأئمة المجتهدين الآخرين، وقد يكون بدرت منه كلمات في الجرح خضعت العوامل زمنية أو نفسية، فختم كتابه بفصل رابع هام جدًا (انتقاد أبي زرعة لبعض الأئمة والدفاع عنهم) وقدم له بحكم كلام العلماء في بعضهم بعضا، وأتى بالكلمة الرائعة للامام ابن جرير الطبري رحمه الله: «ولو كان كل من ادعى عليه مذهب من المذاهب الرديئة ثبت عليه ما ادعى به وسقطت عدالته وبطلت شهادته لذلك: للزم ترك أكثر محدثي


(١) أي أفحم وبقي ساكتا.

<<  <  ج: ص:  >  >>