للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

رواه ابن أَبي شيبة. ولما روى أَبو داود والنَّسائي عن صَفْوان بن أَمية أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم استعار منه درعاً يوم حُنَين، فقال: أَغَصْبَاً يا محمدُ؟ قال: «بل عاريَّةٌ مضمونةٌ».

ولنا ما رَوى أَبو داود والترمذي ـ وقال: حديث حسن ـ عن أَبي أُمامة قال: سمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الله قد أَعْطَى كلَّ ذِي حَقَ حَقَّه، فلا وَصِيَّةَ لِوَارِثٍ» إِلى أَنْ قال: «العارِيَّةُ مُؤَدَّاة، والمنحة مَرْدُوْدَةٌ». وما في «مصنف عبد الرَّزَّاق» عن عمر بن الخطاب قال: العارِيَّةُ بمنزلة الوَدِيعةِ، لا ضمان فيها إِلاَّ أَنْ يَتَعَدَّى. وعن علي: ليس على صاحب العَارِيَّةِ ضَمَانٌ.

الحديثان اللَّذان رَوَوْهُمَا أَولاً إِنما يقتضيان وجوب رَدِّ العَيْن ولا كلام فيه، وإِنما الكلام في وجوب ضمانِ القيمة بعد هلاكِها، وما رَوَوْه من حديث صَفُوان مُعَارَضٌ بما روى أَحمد في «مسنده»، والحاكم في «مستدرَكِه» ـ وسكت عليه ـ وابن حبَّان، عن ابن عباس: أَنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم استعار من صَفْوان بن أُمية دروعاً وسلاحاً في غزوة حُنَيْن، فقال: يا رسول الله أَعاريَّةٌ مؤداة؟ قال: «نعم عاريَّة مؤداة».

ويُجابُ عنه بأَنّه عليه الصلاة والسلام أَخَذَ دروع صَفُوان بغير رضاه، ولذا قال: «أَغَصْبَاً يا محمد»، لأَنه صلى الله عليه وسلم كان مُحْتَاجاً إِلى السلاح، فكان الأَخذ له حلالاً ولكن بِشَرْط الضَّمان، كأَخْذ طعام الغير في حال المَخْمَصة (١) . وقيل: المراد ضمان الرد بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: «إِذا أَتَتْك رُسُلي فأَعْطِهِم ثلاثين بعيراً وثلاثين درعاً، قال: فقلت: يا رسول الله. أَعاريَّةٌ مضمونةٌ، أَوْ عاريَّةٌ مؤداة؟ قال: «بل مؤداة». رواه أَبو داود، والنَّسائي، وابن حِبَّان في «صحيحه». وقيل: كان هذا منه عليه الصلاة والسلام اشتراطاً للضمان على نفسه.

وعندنا المُسْتعير لا يضمن بالشرط، ولكنَّ صَفوان كان يومئذٍ حربياً، ويجوز بين المسلم والحَرْبي من الشرائط ما لا يجوز بين المسلمين. وقيل: المستعير وإِنْ كان لا يضمن لكن يضمن بالشَّرط، كالمودَع، على ما ذكره في «المُنْتَقَى». وقيل: إِنما (قال) (٢) ذلك تَطْيِيباً لِقَلْب صَفْوان على ما رُوي: أَنه هَلَكَ بعضُ تلك الدُّروع، فقال صلى الله عليه وسلم: «إِنْ شِئت غَرِمناها لك، فقال: لا فإِنما (أنا) اليوم أَرغب في الإِسلام مما كنت يومئذٍ» (٣) . ولو كان الضَّمَان واجباً لأَمَره بالاستيفاء أَوْ الإِبراء.


(١) المَخْمصة: الجُوع والمجاعة. النهاية ٢/ ٨٠.
(٢) في المطبوعة: كان، وما أَثبتناه من المخطوطة.
(٣) أخرجه النسائي في "السنن الكبرى" ٣/ ٤٠٩ - ٤١٠، كتاب العارية (٤٦)، باب تضمين العارية (١)، رقم (٥٧٧٨)، ورقم (٥٧٧٩)، و (٥٧٨٠). ووما بين الحاصرتين منه. وقد رواه المؤلف هنا =

<<  <  ج: ص:  >  >>