للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(ج‍) رسالة أهب الشّاء

سمّى ابن برد هذه الرسالة: «البديعة فى تفضيل أهب (جلود) الشّاء على ما يفترش من الوطاء» وهو فيها يردّ على من لامه على استخدام أهب (جلود) الشاء فى الجلوس شتاء وصيفا دون وطئ الفرش ورافهها من قطع البسط والسجاجيد والحشايا. وهو فى فاتحتها يدعو الله أن يلهمه الرشاد ويمنحه الصواب ويعرّفه بركة التواضع وينفّره من الكبر، ويطيل فى المقدمة، ثم يقول للائمه:

«عبتنى-أعزّك الله-بارتخاص الأشياء فى الشّراء، وقلت لم تؤثر ذلك إلا للؤم الخليقة، والهمة الدقيقة، وربما مالت نفس الحريص إلى الرّخيص. . وسأفسح للكلام ميدانا، وأنثر عليك من الألفاظ مرجانا، وأعاطيك من سلاف (خمر) المعانى أكوابا، وأشمّك من روض البيان آسا. . جلّ ماله عبت وفيه قلت وردّدت، وبه أبدأت وأعدت، من إيثارى فى الصيف والشتاء أهب (جلود) الشاء، ومراوحتى منها فى البرد والحر، بين البطن والظهر. وأىّ بساط مثلها أدلّ على التواضع وأعرب عن القناعة وأدفأ فى السّبرة (الغداة الباردة) وألين فى المسّ وأخفّ فى الحمل وأمكن للّنقلة وأوفق لمقدار الحاجة وأجدر بطول المتعة وأبقى على حدث الدهر، وأغنى عن تكلّف التّبطين ومراعاة أوقات الترقيع. ولا تحوجك إلى خيّاط ينازلك فى السّوم (الثمن) ويخجلك أمام القوم، وينتح جبينك (يجعله يرشح) بعرق الاختلاف إليه، وذلّ التكرار عليه، وهو متبجّح (متمكن) فى دكانه، ومشتغل عن سوء مقامك باستطابة محادثة صبيانه، فتشمت العدوّ بنفسك، وتبدى ما كان مستورا من حالك، وهذه (الأهب) بأنفسها مكتفية، وعن سواها مستغنية، مع صيانة المروءة ووقاية ماء الوجنة، إن قلبتها لظهورها شتوت على وثارة (١)، أو صرفتها لبطونها صفت فى لدونة».

ويذكر ابن برد أن من يطلبها يشتريها فى الأضحية تقرّبا إلى ربه وطلبا لكريم ثوابه، ويقول إن رخص ثمنها فضيلة لها مع قلة المئونة والكلفة، ويذكر أن من فضلها أن جعل الله من جنسها كبشا فداء إسماعيل ابن خليله إبراهيم، وسماه فى تنزيله ذبحا عظيما.

ويقول لصاحبه إن الصوف زى النسّاك والمنقطعين للعبادة، وقد استخدمها المعلمون لأنها الأرفق والأرخص والأوفق. ويختم هذه الرسالة الطويلة بالنصح لعائبه أن لا يستقبل


(١) يشير إلى فروة هذه الجلود من الصوف. والوثارة: الفراش الوثير: الوطئ الناعم.

<<  <  ج: ص:  >  >>