للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المدينة في الإسلام وفتحت أبوابها لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولهذا قيل: "فتحت البلاد بالسيف وفتحت المدينة بالقرآن"١.

فإن قلت: ما الدليل على أن العناد هو المانع من التأثر بالقرآن قلت: الأدلة كثيرة يكفي منها اعتراف صريح لزعيم من زعماء قريش هو أبو جهل، فقد روى ابن هشام أن أبا سفيان بن حرب وأبا جهل بن هشام والأخنس بن شريق خرجوا ليلة ليستمعوا من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو يصلي من الليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسًا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه، فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا وقال بعضهم لبعض: لا تعودوا، فلو رآكم بعض سفهائكم لأوقعتم في نفسه شيئًا، ثم انصرفوا ... وحصل في الليلة الثانية ما حصل في الأولى.. وحين التقوا في الليلة الثالثة قال بعضهم لبعض: لا نبرح أبا جهل عن رأيه فيما سمعه من محمد فقال: ماذا سمعت! تنازعنا نحن وبنو عبد مناف الشرف. أطعموا فأطعمنا وحملوا فحملنا، وأعطوا فأعطينا، حتى إذا تجاذبنا على الركب وكنا كفرسي رهان قالوا: منا نبي يأتيه الوحي من السماء فمتى ندرك مثل هذا!! والله لا نؤمن أبدًا ولا نصدقه٢.

والتقى الأخنس بن شريق، وأبو جهل بن هشام فقال الأخنس لأبي جهل: يا أبا الحكم، أخبرني عن محمد أصادق هو أم كاذب؟ فإنه ليس ههنا أحد يسمع كلامك غيري. فقال أبو جهل: والله إن محمدًا لصادق، وما كذب محمد قط، ولكن إذا ذهب بنو قصي باللواء والسقاية والحجابة والندوة والنبوة فماذا يكون لسائر قريش؟ "٣.

حتى أبو طالب عم الرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أدرك صدق الرسول -صلى الله عليه وسلم- ولم يمنعه


١ مجمع الزوائد: الهيثمي ج٣ ص٢٩٨.
٢ سيرة ابن هشام: ج١ ص٣٣٧، ٣٣٨.
٣ أسباب النزول: الواحدي ص٢١٨ في الآية: ٣٣ الأنعام.

<<  <   >  >>