للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قرأه في التوراة وقرأه داود في الزبور وأن نبينا المبعوث بخير الأديان المشهود له بالنبوة والرسالة في كتاب الله العزيز وجميع الكتب المنزلة على الأنبياء من قبله وهو نبينا محمد بن عبد الله بن عبد المطلب المكي ولكن حجاب الكفر منعكم عن معرفته فلما أن سمع هرقل من ضرار هذا الكلام قال له: لقد أسأت الأدب في المجلس إذ خرقت بعمدة دين النصرانية فمن أنت فقال له قيس بن عامر: هذا صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا ضرار بن الأزور لا تتكلم في حقه بكلام قبيح فقال الملك: هذا الذي بلغني عنه أنه يقاتل مرة راجلا ومرة فارسا ومرة عاريا مرة لابسا؟ قال: نعم فعندها سكت ولم يتكلم.

قال الواقدي رحمه الله تعالى ورضي عنه: ولقد بلغني أن البترك لما سمع خرق ضرار به أبدى الغضب بعد الابتسام ولحقه غيظ شديد ما عليه من مزيد وقام من حضرة الملك قال: وغضب البطارقة والحجاب لغضب البترك فلما رأى الملك غضبهم خاف على نفسه منهم فقال: قطعوه بسيوفكم وامحوا أثره قال فنزلوا عليه بالسيوف وضربوه ضربات شديدة وكانت عدة تلك الضربات مائة وأربع عشرة ضربة إلا أنها غير قاتلة لما يريده الله من لطفه الخفي في حياته ونجاته فلما رأى البترك هذه الفعال سكن غضبه وقال: اقطعوا لسانه فلما أن رأى يوقنا ذلك الأمر وتحقق هذا الكلام منهم قال في نفسه والله لا أترك هذا اللعين يتمكن من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقدم إلى الملك وقبل الأرض ودعا بدوام الملك والنعم وقال: أيها الملك: إن هذا ليس بصواب وإن من الرأي السديد عندي أن تترك هذا الغلام حتى يصح فإذا عاد إلى صحته أخرجناه إلى باب المدينة وصليناه لبشفى صدور الروم لأنه قد أثر فيهم كلامه وقد قتل من آبائهم وإخوانهم وأيضا يبلغ الخبر إلى المسلمين بإهانته وضربه بذلك.

قال الواقدي رحمه الله تعالى ورضي عنه: إنما أراد يوقنا بذلك أن يخلص ضرارا منه وقال في نفسه إذا بات تلك الليلة انكسرت حدة الغيظ من الملك فيطلقه فقال الملك ليوقنا: خذه واحفظه إلى غد فأخذه يوقنا إلى داره وافتقد جراحاته فإذا بها كلها سليمة ما قطع له عصب ولا عرق وذلك من لطف الله الخفي ولما أن رأى يوقنا جراحاته خاطها وداواها وأطعمه وأسقاه ففتح عينيه فرأى يوقنا وولده ولم يكن عنده علم بأن يوقنا قد أتى إلى هذا المحل ليحتال على الملك فلما أن رآهما قال لهما: إن كنتما كافرين فقد سخركما الله لي حتى داويتماني وإن كنتما مؤمنين فمرحبا بكما وهنيئا لكما ولعل الله ببركتكما يجمع شملي بعجوز في الحجاز قد أعلها البكاء والعويل ليلا ونهارا من أجلي وأجل أختي خولة وهي في العسكر ولقد كانت تحسب هذا الحساب لأنني بقية من مضى لها من الأحباب ولقد خفي عليها خبري وأمري فإن قدرتما أن تبلغاها سلامي وتعلماها مقامي وكيف كان للكافرين كلامي فهي ترسل وتعلم أمي وتكاتبها بأمري فلما استراح في الليل قال بالله عليكما اكتبا عني ما أقول لكما فكتب عنه ابن يوقنا وهو يملي له ويكتب حرفا بحرف شعرا:

<<  <  ج: ص:  >  >>