للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصلى الملك جلس وأمر باحضار المائتين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقربهم قربانا فقبل يوقنا يده وقال له: يا عظيم الروم ما ولاك الله على البلاد والعباد إلا وقد علم أن عقلك يسع ذلك وقد قال ديسقور الحكيم أن العقل مرقى جليل وصاحبه نبيل لأنه عز الانسان ومصباح الانام وأعلم أيها الملك أن العرب قد قصدتنا بعددها وعديدها وقد نزلوا على جسر الحديد ولا بد لنا من القتال والمصاف معهم ولا ندري على من تكون الدائرة فإن قتلت هؤلاء الأسرى ووقع أحد منا بأيديهم فانهم لا يبقون عليه والصواب تركهم إلى أن نرى ما يئول من أمرنا فإن أسروا من أصحابنا أحدا أو من أعياننا نفاديه فقال أرباب الدولة صدق الدمستق في قوله قال البترك أيها الملك أحضرهم إلى هذه الكنيسة فإنها أحسن كنائس بلدنا وأمر النساء والبنات يتزين ويحضرن هنا فإذا هم نظروا إلى نسائنا وحسنهن وجمالهن وطيب رائحتهن مالت أنفسهم إليهن فيرجعون إلى ديننا فيكون ذلك وهنا على المسلمين.

قال فأمر بذلك فلما حضروا رفعت القسوس أصواتهم بقراءة الإنجيل فرفع المسلمون أصواتهم بالتهليل والتكبير وقالوا: كذب الجاحدون وضلوا ضلالا بعيدا ما اتخذ الله من ولد وما كان معه من إله وكان في الأسرى رجل من اليمن من فضلائهم وعلمائهم ممن علم علم الحميرين وقرأ الكتب السالفة وكان اسمه رفاعة بن زهير يقول: الشعر وينظم الكلام وانه لما نظر الكنيسة ملآنة بأهل الكفر ورآهم يعظمون الصلبان ويسجدون للصور قال الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله كذب العادلون عن الله أصحاب الشيطان وإلا إله إلا الله الواحد الرحمن الذي ليس له أب محسوب وانه فرد صمد لا إلى شيء منسوب ليس له ضد ولا ند ولا حد أوجد الموجودات وصور المخلوقات وخلق الكائنات ودبر الأرض والسموات أول لا افتتاح لوجوده وآخر لا عدم لشهوده لا يموت ولا يفنى ولا يزول ولا يبلى لا شريك له ولا وزير له ولا صاحب له ولا مشير له ليس كمثله شيء وهو السميع البصير قال فاضطربت الكنيسة لقوله ومالت القسوس بعكاكيزها إليه فأشارت الحجاب إليهم أن لا يكموه ويتركوه فتفرقوا عنه فقال له الملك هرقل: ما اسمك يا أخا العرب قال: أيها الملك وما تريد من اسمي ولست من جنسكم فتستخبروني فقال البترك صدق أيها الملك ليس هو من جنسنا ولا له علم ولا خبرة فعلام تسأله انما هو بدوي يعلم بسكنى القفار وصحبة الاشرار والحكمة من بلادنا ظهرت وفي حكمائنا اشتهرت لأنها نبعت من اليونانيين ووعاها جدودنا السريانيون من أين للعرب حكمة يتوارثونها وعلوم يتدارسونها والفضائل كلها من علمائنا والعدل في ملوكنا الاسكندر وبطليموس وموريق ويوسطنيوس وأرمويل وانطاميس وأرجاس وجرجس واسطوس واسطانيس وسارغورس النوصيدي وهو الذي بنى انطاكية وسفليوس واريسا وكان نبيا ملكا ويلينوس وهو الذي بنى الرها ومنبج واسطبس وكان

<<  <  ج: ص:  >  >>