للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي الجانب الآخر، كان التّرك قد شهدوا من جيش الرّوم ما ثخن من جراح (١)، واستغرق سائرهم بالبدن والرّوح/ في نهر من الدّم، فقالوا: أهل السّغد والخزر يقترفون الذنب وتحلّ علينا نحن غرامته (٢) ونقمته، ولكن أما وقد وقع ما وقع فلا يجوز التّسليم مهانة وذلّة.

وفي الصّباح الباكر حين ألقت الشمس درعا ذهبية في هذا البحر اللازورديّ على الماء سارع حامل أعلام الجيش المنصور برفع الرّاية، فتحرّكت الجنود، وأخذت السّحابة التي كان وبلها المناصل والمعابل في الإمطار، فهجم الأمير حسام الدين هجمة الأسد، ودفع الجيش في إثره الخيول دفعة واحدة، فلما نصبوا طرّة الرّاية (٣) في مقابلة ريح النّصر في جيش التّرك، ومزجوا بضرب الحسام دماء عروق أولئك الكفّار العاقّين بالتّراب، وسلك التّرك طريق الهزيمة، وعدّوا الفرار العاجل نصرا مؤزّرا. ودفع الجيش بتلك الحملة الشّجاعة لملك الأمراء حسام الدين جوبان عن عشّ القلب ما كان يتردّد عليه من أحزان، ورفع راية السّرور فوق السّماوات العلى، وتوجّه الجيش بحسن الطّالع صوب المخيّم الذي كان وكرا لعقاب الظّفر وقد نال المقاصد والأماني.


(١) في الأصل: زخم العجم: يعني جرح العجم، ولعله يعني به الجرح القاتل المهلك.
(٢) في الأصل: فراسة، والتصحيح من أ. ع. ص ٣١٧.
(٣) كانت بعض الرّايات تتميّز بأن: «في رأسها خصلة من الشعر تسمي الجاليش» (صبح الأعشى ٤: ٨).