للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مولاه بشير لكفالته والقيام بدولته فقام بأمرها، وصلحت الأحوال والله بيده تصاريف الأمور.

[(منازلة نصارى الإفرنج المهدية)]

كانت أمّة الفرنج وراء البحر الرومي في الشمال قد صار لهم تغلّب ودولة بعد انقراض دولة الروم فملكوا جزائره ومثل: سردانية وميورقة وصقلّيّة، وملأت أساطيلهم فضاءه وتخطوا إلى سواحل الشام وبيت المقدس فملكوها، وعادت لهم سورة الغلب في هذا البحر بعد أن كانت سورة المسلمين فيه لا تقاوم إلى آخر دولة الموحدين بكثرة أساطيله ومراكبه [١] فغلبهم الفرنج وعادت السورة لهم، وزاحمتهم أساطيل المغرب لعهد بني مرين أياما. ثم فشل ريح الفرنجة واختلّ مركز دولتهم بإفرنسة، وافترقت طوائف في أهل برشلونة وجنوة والبنادقة وغيرهم من أمم الفرنجة النصرانيّة، وأصبحوا دولا متعدّدة فتنبّهت عزائم كثيرة من المسلمين بسواحل إفريقية لغزو بلادهم، وشرع في ذلك أهل بجاية منذ ثلاثين سنة فيجتمع النفير [٢] والطائفة من غزاة البحر، يضعون الأسطول ويتخيّرون له أبطال الرجال، ثم يركبونه إلى سواحل الفرنجة وجزائرهم على حين غفلة فيتخطفون منها ما قدروا عليه، ويصادمون ما يلقون من أساطيل الكفرة فيظفرون بها غالبا ويعودون بالغنائم والسبي والأسرى، حتى امتلأت سواحل الثغور الغربية من بجاية بأسراهم تضجّ طرق البلاد بضجّة السلاسل والأغلال عند ما ينتشرون في حاجاتهم ويغالون في فدائهم بما يتعذّر منه أو يكاد، فشقّ ذلك على أمم الفرنجة وملأ قلوبهم ذلّا وحسرة وعجزوا عن الثأر به، وصرخوا على البعد بالشكوى إلى السلطان بإفريقية فصمّ عن سماعها وتطارحوا سهمهم ونكلهم [٣] فيما بينهم وتداعوا النزول المسلمين والأخذ بالثأر منهم.

وبلغ خبر استعدادهم إلى السلطان فسرّح ابنه الأمير أبا فارس يستنفر أهل النواحي ويكون رصدا للأسطول هنالك، واجتمعت أساطيل جنوة وبرشلونة ومن وراءهم


[١] وفي نسخة ثانية: مران راكبيه.
[٢] وفي نسخة ثانية: فيجمع النفراء.
[٣] وفي نسخة أخرى: وتطارحوا بثهم وثكلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>