للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قاعد، فلا تَسِرْ؛ فإنك تفسد البلاد، فأحضرك حينئذ، وأعاقبك بما تستحقه، وإن كنت تنظر إليه صاحبَ مصر، وقائماً مقامي تخدمه بنفسك كما تخدمني، فسرْ إليه، واشدُدْ أصره، وساعده على ما هو بصدده، فقال: أفعل معهُ من الخدمة والطاعة ما يتصل بك، فكان معه كما قال.

وأعطاهم صلاح الدين الإقطاعات بمصر، فتمكن من البلاد، وضعف أمر العاضد، ولما فوض الأمر إلى صلاح الدين، تاب عن شرب الخمر، وأعرض عن أسباب اللهو، وتقمّص لباس الجدّ، وداوم على ذلك إلى أن توفاه الله تعالى.

وفي سنة خمس وستين وخمس مئة: سار الفرنج إلى دمياط، وحصروها، وشحنها صلاح الدين بالرجال والسلاح والذخائر، وأخرج على ذلك أموالاً عظيمة، فحصروها خمسين يوماً، وخرج نور الدين، فأغار على بلادهم بالشام، فرحلوا عائدين على أعقابهم، ولم يظفروا بشيء منها.

قال صلاح الدين: ما رأيت أكرمَ من العاضد، أرسل إليَّ مدةَ مقام الفرنج على دمياط ألف ألف دينار مصرية، سوى الثياب وغيرها (١).

وفي سنة ست وستين وخمس مئة: سار صلاح الدين عن مصر، فغزا بلاد الفرنج قرب عسقلان والرملة، وعاد إلى مصر، ثم خرج إلى


(١) انظر: "الكامل في التاريخ" لابن الأثير (١٠/ ٢٣).