للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام ليبشّروه بغلام من زوجته "سارة" العجوز العقيم، على صور بشرٍ، لم يعرفهم في أول الأمر، وظنّهم ضيوفاً من الناس، فسلموا عليه سلاماً اتبدائياً بجملة فعليّة حُذِف فعلُها، وأبقي منها المفعول المطلق منصوباً بالفعل المحذوف، فقالوا: "سَلاماً" أي: نُسلّم عليكَ سلاماً.

فردّ إبراهيم عليه السلام تحيّتهم بأحسن منها، فجاء بجملة اسميّة هي أقوى وآكد من الجملة الفعليّة، فقال: "سَلاَمٌ" بالرْفع، أي: سلامٌ عليكم، سواءٌ اعتبرنا "سلامٌ" مبتدأ، وهذا ممّا يجوز فيه الابتداء بالنكرة، لأنه من المصادر، فعبارة "عليكم" المحذوفة إيجازاً، هي جار ومجرور متعلقان بخبر محذوف هو اسم فاعلٍ من الكون العام، وهو يتحمل الضمير كالفعل، وتقديره: سلامٌ كائنٌ عليكم، وقد سبق أن عرفنا أنّ الجملة الاسمية التي يتحمل خبرها أو ما يتعلّق به ضمير المبتدأ أقوى وآكد من الجملة الفعليّة، أو اعتبرنا "سلامٌ" خبر مبتدأ محذوف تقديره: تحيتي سلام عليكم، فلفظ "سلام" مصدر يعمل عمل الفعل، فهو بقوة الجملة الفعلية.

***

المثال السابع:

لاَمَ عبد الرحمن بن الحكم بن هشام بني أميّة على قبولهم استخلاف عُمَرَ بن عبد العزيز، لمّا أخذ هذا الخليفة الصالح التقيّ يردّ المظالم إلى أهلِها، ويحاسب الأمويين بالعدل وهم أهله الأقربون، وقد غَلُظ عليهم ما نالهم منه، فقال عبد الرحمن:

فَقُلْ لِهشَامٍ والذين تَجَمَّعُوا ... بِدَابِقَ: مُوتُوا لاَ سَلِمْتُمْ مَدَى الدهْرِ

فأَنْتُمْ أَخَذْتُمْ حَتْفَكُمْ بِأَكُفّكُمْ ... كَبَاحِثَةٍ عَنْ مَدْيَةٍ وَهْي لاَ تَدْرِي

عَشِيَّةَ بَايَعْتُمْ إمَاماً مُخَالِفاً ... لَهُ شَجَنٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ والْحِجْرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>