للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أغراض النِّكَاحِ، وكان ذلك جائزاً في ابتداءِ الإِسْلاَمِ ثم نُسِخَ.

وإذا وطئ في نِكَاحِ الْمُتعَةِ جاهلاً بفساده، فلا حَدَّ فإن كان عالماً فقد بني أمر الحد على ما رُوِيَ عن ابنَ عَبَّاسِ -رَضِيَ اللهُ عنه- أنه كان يجوّز نِكَاحَ الْمُتْعَةِ، ثم


= منهما، ويقال لهم فيما روي عن ابن عباس أنه ثبت رجوعه عنه، وقد كان يفتي بها أولاً؛ لأنه فهم من نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنها يوم خيبر، ثم إباحتها يوم الفتح ثم نهى عنها بعد ذلك، أن الإِباحة كانت للضرورة، والنهي عند ارتفاعها يؤيد ذلك ما رُوِيَ عن شعبة عن أبي جمرة قال: سمعت ابن عباس سئل عن متعة النساء، فرخص فيها، فقال له إنما كان ذلك في الحال الشديد، وفي النساء قلة، فقال ابن عباس نعم فإنه يعلم من هذا أن ابن عباس كان يتأول في إباحة نكاح المتعة لمضطر إليه، ثم توقف بعد ذلك لما ثبت له النسخ.
ومما يؤيد رجوع ابن عباس ما أخرجه الترمذي، أن ابن عباس قال: أنما كانت المتعة في أول الإِسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه، وتصلح له شأنه، حتى نزلت: {إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} فقال ابن عباس، فكل فرج سواهما حرام.
وقد روى رجوعه أيضاً البيهقي وأبو عوانة في صحيحه، وروي عنه أنه قال عند موته: "اللَّهُمَّ إِنِّي أَتُوبُ إلَيْكَ" من قوله في المتعة والصدف. وعليه فلا يصح الاحتجاج بفتوى ابن عباس، وقد رجع عنها.
ويقال لهم في أثر جابر أن قوله: "تمتعتا الخ .. " يحمل على أن من تمتع لم يبلغه النسخ، حتى نهى عنها عمر، أو يكون جابر -رضي الله عنه- قال ذلك لفعلهم في زمن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم لم يبلغه النسخ، حتى نهى عنها عمر، فاعتقد أن الناس باقون على ذلك لعدم الناقل عنده، والقول بأن عمر هو الذي نهى عنها، وأن ذلك من قبيل السياسة الشرعية غير مسلم، فإن عمر إنما قصد الأخبار عن تحريم النبي -صلى الله عليه وسلم- ونهيه عنها إذ لا يجوز أن ينهي عما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أباحه، وبقي على إباحته: ومما يؤيد أن نهيه عنها ليس من قل السياسة الشرعية بل أنه نهى عنها لما علم نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- ما روي من طريق سالم بن عبد الله عن أبيه عن عمر قال: صعد عمر المنبر فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: "مَا بَالُ رِجَالٍ يَنْكِحَانَ هَذِهِ الْمُتْعَةَ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ عَنْهَا "لا أُوْتِي بِأَحَدٍ نَكَحَهَا إلاَّ رَحْمَتُهُ".
ويقال لهم في العقول لا نسلم أنها منفعة خالية من جهات القبح، ولا ضرر فيها في الآجل ولا في العاجل، بل الضرر متحقق فيها، فإن فيها امتهان المرأة، وضياع الأنساب، فإن مما لا شك فيه أن المرأة التي تنصب نفسها، ليستمتع بها كل من يريد تصبح محتقرة في أعين الناس، وأيضاً فهو معقول في مقابلة النص، وهو باطل.
ويقال لهم في الإجماع أولاً: أن إجماع أهل البيت على فرض إجماعهم ليس بحجة، فما بالك والإِجماع لم يصح عنهم. فهذا زيد بن علي، وهو من أعلمهم يوافق الجمهور، ثم إن الإِمام علياً -رضي الله عنه- وهو رأس الأئمة عندهم يقول بتحريمها، فقد روي عن طريق جويرية عن مالك ابن أنس عن الزهري أن عبد الله بن محمد بن علي بن أبي طالب، والحسن بن محمد حدثاه عن أبيهما أنه سمع علياً بن أبي طالب يقول لابن عباس إنك رجل تائه، أي حائل أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن المتعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>