للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خلاف، فَيُمْكِن أن يُخَرَّج في الرضاع مثله.

وإذا لم يتم نصاب الشهادة؛ بأن شهد بالرضاع امرأةٌ واحدةٌ؛ إمَّا المُرْضِعة أو غيرها، أو شَهِدت اثنتان، فالوَرَعُ أن يَتْرُك نكاحَها، وأن يُطَلِّقها، إن كان ذلك بعد الدخول، ويُرْوَى أن عقبة بن الحَارِثِ نَكَحَ بنْتاً لأبي إهَاب بْنِ عَزيز، فَأَتَتْهُ امرأةً، وقالت: قَد أَرْضَعْتُ عُقْبَةَ وَالَّتِي نَكَحَهَا، فَقَالَ لَهَا عُقبَةُ: أَعلَمُ أَنَّكِ أَرْضَعْتِنِي، وَلاَ أَخْبَرْتَنِي، فأرسل إلى آل أبي إهاب فسألهم فقالوا ما علمناها أرضعت صاحبتك فَرَكِبَ إلى النَّبِي -صلى الله عليه وسلم-، بالمَدِينَةِ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "كَيْفَ، وَقَدْ قِيلَ"، فَفَارَقَهَا، وَنَكَحَتْ زَوْجَاً (١) غَيْرَهُ، وَلَوْ شهد اثنان بالرضاع، وقالا: تعمَّدْنا النظر إلى الثدي، لاَ لِتَحَمُّلِ الشهادة، لم تُقْبَل شهادَتُهما؛ لأنهما فاسقان بقولهما، وفي النَّظَر إلى الثدي لتحمل الشهادة خلاف مذكورٌ في أوَّل النكاح، والظاهر جوازه (٢).

المسألة الثانية:

أطلق جماعة منهم الإِمام -رحمهم الله تعالى- أن الشهادَة المُطْلَقة على أن بينهما رضاعاً مُحَرِّماً أو حُرْمَةَ الرضاع أو أُخُوَّتَهُ أو بنوته مقبولةٌ، ويوافقه قوله في الكتاب: "ثم يَشْهَدُ على الْبَتِّ بأن بَيْنَهُمَا رَضَاعاً مُحَرِّماً.

وقال الأكثرون: لا تُقبل شهادةُ الرَّضاع مُطْلَقَة بل لا بد من التفصيل والتعرُّض للشرائِطِ، وهو ظاهر النَّصِّ؛ لأن مَذاهِبَ الناس مختلفةٌ في شرائط الحرمة، فلا بد من التفصيل لِيَعْمَل القاضي باجتهاده، وحكى صاحب "التهذيب" الوجهَيْن جميعاً.

وقال: الصحيح الثاني، وَيحْسُن أن يُتَوَسَّطَ بينهما، فيّقال: إن كان المطلِّق (٣) فقيهاً موثوقاً بمَعْرِفَتِه، فيُقْبَل منْه الإطْلاَق، وإلا، فلا بُدَّ من التفصيل، وُينَزَّل الكلامان على هاتين الحالَتَيْن أو يُخَصَّص الخلاف بما إذا لم يكن المُطَلِّق فقيهاً؛ وقد سَبَق مثله


(١) أخرجه البخاري رواه في كتاب الشهادات من صحيحه, بهذا السياق سواء، ورواه فيه من طرق أخرى، وسمى في بعضها الزوجة أم يحيى، وقال ابن ماكولا: اسمها غنية بالغين المعجمة، وقال الحافظ ووهم من ذكر هذا الحديث في المتفق.
(٢) قال النووي: مجرد النظر معصية صغيرة لا ترد به الشهادة ما لم يصر عليه فاعله، ويشترط أيضاً أن لا تكون ظهرت توبته بعد ذلك.
(٣) اعلم أن الروياني أخذ ذلك من الحاوي لكنه لم يذكر الفقيه بل المجتهد وعبارته: وإن قال هي أختي من الرضاع لم يفتقر إلى ذكر العدد إن كان مجتهداً وإلا احتمل وجهين: أحدهما يلزمه ذكر العدد ويرجع فيه إليه بعد إقراره بالتحريم انتهى. وهذا هو الصواب أعني فرض المسألة في المجتهد وإلا فالفقيه المتذهب إذا لم يكن موافقاً في المذهب فقد يقال إنه كغيره إلا أن يقال يلزمه بمقتضى اجتهاد إمامه.

<<  <  ج: ص:  >  >>