للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ألا ترى أنها لا تَنْقَسِمُ على الأَطْرَافِ، وما لا يَتَبَعَّضُ إذا اشترك الجَماعَةُ في سببه، وَجَبَ على كُلِّ واحد بكَمَالِهِ كالقِصَاصِ، وبأن فيها معنى العِبادَةِ، والعِبادَةُ الواحِدَةُ لا تَتَوَزَّعُ على الجَماعَةِ. وأما المَقْتُولُ، فالشرط فيه أن يكون آدَمِيًّا مَعْصُومًا بأَمَانٍ، أو إِيمَانٍ، وفيه مسألتان:

إحداهما: تجب الكَفَّارَةُ بِقَتلِ العاقل، والمجنون، والصَّبِيِّ، والبالغ، والمسلم، والذِّمِّيِّ، والحُرِّ، والعَبْدِ، حتى يجب على السَّيِّدِ في قَتلِ عَبْدِهِ لِحَقِّ الله -تعالى- بخلاف القِصَاصِ (١)، فإنه إذا وَجَبَ وَجَبَ للسَّيِّدِ.

وعن مالك أنها لا تجب بقتل الذمي، ولا بقتل العَبْدِ، ويُرْوَى عنه أنها لا تجب على السيد في قَتْلِ عَبْدِهِ خاصَّةً.

قال الرُّويانِيُّ: ولا يَصِحُّ ذلك عنه، واحْتَجَّ الأَصْحَابُ بقوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} [النساء: ٩٢] وَبِإطْلاَقِ قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً ...} [النساء: ٩٢] الآية.

فإنه يشمل الحِرَّ والعَبْدَ، ولا تجب الكَفَّارَةُ بِقَتْلِ الحَرْبيِّ، فإنا مَأْمُورُونَ بِقَتْلِهِ، ولا يقتل المُرْتَدِّ، فإنه مُهدَرٌ مُرَاقُ الدَّمِ، إلا أنه فُوِّضَ قَتْلُهُ إلى رَأيٍ مُعَيَّنٍ لِمَصْلَحَةٍ اقْتَضَتْهُ.

وبمثله أَجَابُوا في قَاطِع الطريق.

والزاني (٢) المُحْصَنُ، ولم يُورِدُوا فيه خِلاَفًا، لكن قد سَبَقَ ذِكْرُ خلاف في القِصَاصِ، ولا يَبْعُدُ مَجِيئُهُ في الكَفَّارَةِ، ولا تجب بِقَتْلِ نساء أهل الحَرْب (٣) وذَرارِيهِمْ. إن كان قَتْلُهُم مُحَرَّمًا؛ لأن المَنْعَ من قتلهم ليس لحُرْمَتِهِم ورِعايَةِ مَصْلَحَتَهِمْ، ولذلك لا يَتَعَلَّقُ به ضَمَانٌ، وإنما هو لِمَصْلَحَةِ المسلمين حتى لا يَفُوتَهُمُ الارْتِفَاقُ بهم.

والثانية: إذا قتل مُسْلِمًا في دار الحرْبِ، وجبت الكَفَّارَةُ بكل حَالٍ، قال الله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] المعنى على ما نَقَلَ الشَّافِعِيُّ -رَضِيَّ اللهُ عَنْهُ- وغيره: وإن كان في قَوْم عَدُوٍّ لكم، فأما القصاص والدية، فإن ظَنُّهُ القَاتِلُ كافرًا؛ لكونه على زِيِّ أهل الشِّرْكِ، فلا قِصَاصَ، وفي الدِّيَةِ قولان، قد سبق ذلك في الجِرَاحِ وإلا فأحسن ترتيب فيه ما أَورَدَهُ في "التهذيب"، وهو أنه إن عَرَفَ مَكانَهُ، فهو كما لو قَتَلَهُ في دارِ الإِسلام، حتى إذا قَصَدَ قَتْلَهَ يجب القِصَاصُ أو الدية المُغَلَّظَةُ في مَالِهِ مع الكفَّارة.


(١) في ز: الضمان.
(٢) في ز: والثاني.
(٣) في أ: الذمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>