للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيف لا وقد وصفوا آلهتَهم بالقدرة والعلم، ولا يقدرون على هذا الخلق الضعيف، ولا يَنْتَبِهون لعمايتهم وضَلاَلهم، فهمْ أضلّ من البهائم، ولذا ورد الحديث: " إذا وقع الذبابُ في إناء أحدكم فَلْيلْقِه فإنَّ في أحد جناحيه داءً وفي الآخر شفاء، وإنه يتَّقي بجناحه الذي فيه الداء ".

فإن قلت: كيف يجتمع الداء والشفاء في جناحي الذبابة، وكيف تعلم ذلك في نفسها حتى تقدِّمَ جناحَ الداء وتؤخر جناحَ الشفاء، وما حملها على ذلك؟

والجواب: أنَّ هذا غير منْكر، لأنا نجد في أنفسنا وفي أنفس عامةِ الحيوان

قد جمع فيها بين الحرارة والبرودة، والرطوبة واليبوسة، وهي أشياء متضادّة إذا تلاقَتْ تفاسدت، ثم إن الله تعالى قد ألّف بينها وقهرها على الاجتماع، وجعل منها قوى الحيوان التي فيها بقاؤها وصلاحها لجدير ألاَّ يذكر اجتماع الداء والشفاء في جزءين من حيوان واحد، وإن الذي أَلهمَ النحلةَ لاتخاذ البيتِ العجيب الصنعة، وألْهَم الذرة أنْ تَدَّخر قوتها، وتدخره لأوَان حاجتها إليه هو الذي خلق الذّبابة وجعل لها الهدايةَ إلى أن تؤخَر جناحا وتقدِّمَ جناحاً لما أراد من الابتلاء الذي هو مَدْرجة التعُّبد، والامتحان الذي هو مِضْمَار التكليف، وله في كل شيء حكمة وعنوان.

(وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) .

وقد تأملت الذباب فوجدته يتقِي بجناحه الأيسر، وهو مناسب للداء، كما

أنَّ الأيمن موافق للدواء، واستفيد من الحديث أنه إذا وقع في المائِع أنه يموت فيه ولا يتنجس، وفي ذلك يخرج أنَّ ما يعلم وقوعه كالذباب والبعوض لا ينجس، وما لا يعمّ كالخنافس والعقارب تنجس، وهو متَّجِه لا محيد عنه.

(وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) ، أي حرم الزنى.

وقيل حرم تزوّج الزانية لغير الزاني، فإن قوماً منعوا أنْ يتزوجها أحد، وهذا على القول الثاني في الآية قبلها، وهو بعيد لجوازِ تزوّج الزانية.

وروي كراهة تزوجها.

(وأنْكحوا الأيَامَى مِنكم) :

معناه الذين لا أزواج لهم رجالاً كانوا أو نساء أبكاراً أو ثيِّبا.

والخطاب هنا للأولياء والحكام، أمرهم اللَّهُ بتزويج

<<  <  ج: ص:  >  >>