للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينهون عن الخروج في فتنة ابن الأشعث (١).

ولهذا استقر أمر أهل السنة على ترك القتال في الفتنة للأحاديث الصحيحة الثابتة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وصاروا يذكرون هذا في عقائدهم، ويأمرون بالصبر على جور الأئمة وترك قتالهم، وإن كان قد قاتل في الفتنة خلق كثير من أهل العلم والدين" (٢).


(١) ابن الأشعث هو عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث، كان قائدًا عسكريًا أمويًا من أهل الكوفة وأشرافها، وصاحب أعنف الثورات ضد الدولة الأموية، وبايعه فئام من الناس على خلع عبد الملك ونائبه الحجاج بن يوسف، ووافقه على خلعهما خلق كثير من الفقهاء والقراء والشيوخ والشباب، وكان منهم سعيد بن جبير، وعامر الشعبي، وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وغيرهم.
ولابن الأشعث مع الحجاج وقعات كثيرة، ويقال: إنه خرج مع ابن الأشعث ثلاثة وثلاثون ألف فارس، ومائة وعشرون ألف راجل، فيهم علماء وفقهاء وصالحون، خرجوا معه طوعًا على الحجاج.
واجتمعوا على قتال الحجاج لظلمه وسفكه الدماء.

قال الحافظ ابن عبد البر: "ومن أهل العلم طائفة تكفره"، وقال الحافظ ابن حجر: "وكفَّره جماعة؛ منهم: سعيد بن جبير، والنخعي، ومجاهد، وعاصم بن أبي النجود، والشعبي وغيرهم".
وقيل: كان بين الحجاج وابن الأشعث أربع وثمانون وقعة في مائة يوم، فكانت منها ثلاث وثمانون على الحجاج، وواحدة له.
وكانت آخر وقعة بدير الجماجم التي دامت مئة وثلاثة أيام، انهزم فيها ابن الأشعث وفرَّ إلى الترك، وقتل من أصحابه ناس كثير، وغرق منهم ناس كثير.
قال ابن جرير الطبري: كانت وقعة دير الجماجم في شعبان سنة اثنتين، وفي قول بعضهم هي سنة ثلاث وثمانين.
انظر: تاريخ الطبري (٦/ ٣٣٤، ٣٤٦)، التمهيد (١٠/ ٦)، تاريخ الإسلام (٢/ ٩٠٦، ٩٠٧، ٩١١)، البداية والنهاية (١٢/ ٢٩٧، ٣١٠، ٣٢١، ٣٣٨)، تهذيب التهذيب (٢/ ٢١٠ - ٢١١)، الأعلام للزركلي (٣/ ٣٢٤).
(٢) منهاج السنة النبوية (٤/ ٥٢٩ - ٥٣٠).
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في ترجمة الحسن بن صالح: "كان يرى الخروج بالسيف على أئمة الجور، وهذا مذهب للسلف قديم، لكن استقر الأمر على ترك ذلك لما رأوه قد أفضى إلى أشد منه، ففي وقعة الحرة ووقعة ابن الأشعث وغيرهما عظة لمن تدبر" تهذيب التهذيب (٢/ ٢٨٨).
وقال الإمام النووي - رحمه الله - في الخروج على أئمة الجور: "وأما الخروج عليهم وقتالهم فحرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين، وقد تظاهرت الأحاديث بمعنى ما ذكرته، وأجمع أهل السنة أنه لا ينعزل السلطان بالفسق، وأما الوجه المذكور في كتب الفقه لبعض أصحابنا أنه ينعزل وحكي عن المعتزلة أيضا فغلط من قائله، مخالف للإجماع، قال العلماء وسبب عدم انعزاله وتحريم الخروج عليه ما يترتب على ذلك من الفتن وإراقة الدماء وفساد ذات البين، فتكون المفسدة في عزله أكثر منها في بقائه" شرح النووي على مسلم (١٢/ ٢٢٩)، وانظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم (٦/ ٢٤٧).

<<  <   >  >>