للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والمَذْهَبَان قَرِيبٌ بَعْضُهُما من بَعْضٍ، وإِنما بَيْنَهُما خُلْفٌ فِي اخْتِلاطِ النُّور بالظُّلْمَة. فإنَّ الدَّيْصَانِيَّة اخْتَلَفَت في ذَلِكَ في فَرْقَتَين: فِرْقَةٌ زَعَمَت أَنَّ النُّورَ خَالَطَ الظُّلْمَةَ باخْتِيَارِ مِنْه ليُصْلِحَها، فلمَّا حَصَلَ فيها ورَامَ الخُرُوجَ عنها، امْتَنَعَ ذَلِك عليه. وفِرْقَةٌ زَعَمَت أَنَّ النُّورَ أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ الظُّلْمَةَ عَنْهُ لما أَحَسَّ بِخُشُونَتِها ونَتِنِها، فَشَابَكَها بغير اخْتِيَارِه، ومِثَالُ ذَلِك أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْفَعَ عَنهِ شَيْئًا ذَا شَظَايَا مُحَدَّدَة دَخَلَت فيه، فكُلَّما دَفَعَها ازْدَادَت وُلُوجًا فيه.

وزَعَمَ ابْنُ دَيْصَان، أنَّ النُّورَ جِنْسٌ وَاحِدٌ، والظُّلْمَةَ جِنْسٌ وَاحِدٌ. وزَعَمَ بَعْضُ الدَّيْصَانِيَّة أَنَّ الظُّلْمَةَ أَصْلُ النُّور، وذَكَرَ أَنَّ النُّورَ حَيٌّ حَسَّاسٌ عَالِمٌ، وأَنَّ الظُّلْمَةَ بضِدٌ ذَلِكَ، عَمِيَّة غَيْر حَاسَّة ولا عَالِمة، فتَكَارَهَا (a).

وأَصْحَابُ ابْن دَيْصَان بنَوَاحِي البَطَائِح كانُوا قَدِيمًا، وبالصِّين وخُرَاسَان أمم منهم مُتَفَرِّقُون، لا يُعْرَفُ لهم مَجْمَعٌ ولا بَيْعَة. والمَنانِيَّةُ كَثِيرٌ جِدًّا.

ولابن دَيْصَان: "كِتَابُ النُّور والظُّلْمَةَ". "كِتَابُ رُوَحَانِيَّة الحَقِّ". "كِتَابُ المتحرك والجماد". وله كُتُبْ كَثِيرَةٌ، ولرُؤَسَاءِ المَذْهَبِ في ذلك أَيْضًا كُتُب ولم تَقَعَ إِلَيْنا.

المرقيونية (b)

أَصْحَابُ مَرْقِيُون (١)، وهم قَبْلَ الدَّيْصَانِيَّة. وهم طَائِفَةٌ من النَّصَارَى أَقْرَبُ من


(a) ليدن: فتركاها.
(b) ك ١ وك ٢: المرقبونية.