للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومُهْلِكُ عَادٍ وثَمُود". فلمَّا شَاعَ أَمْرُهُ وذَاعَ، وعَرَفَ السُّلْطانُ خَبَرَه على صِحَّتِه، وَقَّعَ بضَرْبه ألْفَ سَوْطٍ وقَطْعِ يَدَيْهِ، ثم أحْرَقَه بالنَّار في آخِر سَنَة تِسْعٍ وثلاث مائة.

السَّبَبُ في أخْذِه

قَرَأْتُ بِخَطِّ أبي الحَسَن <ثابت> بن سِنَان (١). ظَهَرَ أمْرُ الحَلَّاج وانْتَشَرَ ذِكْرُه في سَنَة تِسْع وتِسْعِين ومائتين. وكان السَّبَبُ في أَخْذِه أنَّ صَاحِبَ البَريد بالسُّوس اجْتَاز في مَوْضِعِ بالسُّوس يُعْرَفُ بالرَّبَض في القطعة فرَأى امرأةً في بعض الأزِقَّة وهي تَقُول: إِنْ تَرَكْتُموني وإِلَّا تَكَلَّمْت. فقال لأعْرَابٍ معه: اقْبِضُوا عليها، وقال لها: أيُّ شيءٍ عندك؟ فَجَحَدَت، فأَحْضَرَها مَنْزِله وتَهَدَّدَها، فقالت: قد نَزَلَ في جَانِب دَارِي رَجُلٌ يُعْرَفُ بالحَلَّاج، وله قَوْمٌ يَصِيرُون إليه في كلِّ لَيْلَةٍ ويَوْمٍ خِفْيَةً، ويَتَكَلَّمُون بكَلامٍ مُنْكَرٍ. فوَجَّه من سَاعَتِه إِلى جَمَاعَةٍ من أَصْحَابِه وأَصْحَابِ السُّلْطَان، وأمَرَهُم بِكَبْس المَوْضِع. فَفَعَلُوا فَأَخَذُوا رَجُلًا أَبْيَضَ الرَّأْس واللِّحْيَة، قَبَضُوا عليه وعلى جَمِيع ما مَعَه، وكان جُمْلَةً من العَيْن والمِسْك والثِّياب والعُصْفُر والعَنْبَر والزَّعْفَرَان. فقال: ما تُرِيدُون منِّي؟ فقالوا: أَأَنْتَ الحَلَّاج؟ فقال: لا مَا أَنَا هو ولا أعْرِفُه. فصَارُوا به إلى مَنْزِل عليّ بن الحُسَيْن، صَاحِب البَرِيد، فحَبَسَه في بَيْتٍ وتَوَثَّقَ منه، وأُخِذَ له دَفَاتِرُ وكُتُبٌ وقُمَاش.

وفَشَا الخَبَرُ في البَلَدِ واجْتَمَعَ النَّاسُ للنَّظَرِ إليه، فسَألَه عليُّ بن الحُسَيْن: "هل أنت الحَلَّاج؟ " فأَنْكَرَ أنْ يكونَ هو، فقال رَجُلٌ من أَهْلِ السُّوس: "أنا أعْرِفُه بعَلامَةٍ في رَأْسِه، وهي ضَرْبَةٌ، ففُتِّشَ فأُصِيبَ كَذاك. وكان السُّلْطانُ أَخَذَ غُلامًا للحَلَّاج يُعْرَفُ بالدَّبَّاسِ وأَطَالَ حَبْسَه وأَوْقَعَ به مَكْرُوهًا، ثم خَلَّاهُ بعد أن


(١) أبو الحسن ثَابِت بن سِنَان بن ثَابِت بن قُرَّة، المتوفّى سنة ٣٦٥ هـ / ٩٧٦ م؛ صاحب كتاب "التاريخ من سَنَة خَمْسٍ وتسعين ومائتين إلى حين وَفَاته"، (فيما يلي ٣١٤:٢).