للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقول الآخر وهو المتنبي:

٤٧٨ - وَوَجْهُ البَحِرْ يُعْرَفُ مِنْ بَعِيدٍ ... إِذَا يَسْجُو فَكَيْفَ إِذَا يَمُوجُ (١)

هذا حد الكلام، إلا أنها لما تضمنت مع ذلك معنى التوقيت، لم يجزم بها إلا في الشعر، لنقص إبهامها عن إبهام (إن) الشرطية، من أجل تضمنها معنى الشرط والجزاء، وأن الفعل بعدها لا يكون إلا من حيّز الاستقبال، كما يكون في (إن) جاز وقوع الفعل بعدها بلفظ الماضي والمراد به الاستقبال كما يقع بعد (إن)، فكما تقول: إن قمتَ قمتُ، تريد: إن تقمْ أقمْ. كذلك تقول: إذا قمتَ قمتُ، تريد: إذا تقومُ أقومُ، فإن أردت المخالفة بينهما قلت: إذا قمت لم أقم، تريد: إذا قمت قعدت أو امتنعت من القيام، فقولك: (لم أقم) ماضٍ لا محالة، كما أن (قمت) كذلك.

فقوله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} أي: إذا أخرج يده بَعُدَ عن مقاربة رؤيتها، وإنما جاز وقوع الماضي بعد (إذا) و (إن) لارتفاع اللبس وحصول العلم بأن الشرط إنما يكون لما يأتي من الزمان لا لما مضى، فالتقدير إذن في قوله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} إذا يخرج يده لا يكاد يراها، لما بَيَّنَّا. فكاد ويكاد على هذا التقدير الصحيح الذي لا يجوز غيره باقيتان على الأصل المقدم ذكره فيهما من غير إخلال باستحقاقهما وضعًا واستعمالًا، ولا حاجة بنا إلى أن نعتقد أنها في الآية من حيّز الماضي، ثم ندعي لها من التأويل ما ليس لها، وبهذا يبطل القول بأنها ترى بعد جهد أو تقاعد كما زعموا، والله أعلم، وما علمت أن هذا التأويل في هذه الآية وقع لغيري، وقد ذكرت آنفًا ما قال فيها أماثل علماء العربية وضمنوه كتبهم، ونقلت نصهم فيها، ولم أستقص ذكر كل قائل اكتفاء بهؤلاء الأكابر، وتحاميًا


(١) الديوان بشرح العكبري ١/ ٢٣٨. ويسجو: يسكن. يريد أن البحر يعرف إذ كان ساكنًا، فكيف إذا ماج وتحرك؟ (من شرح أبي البقاء).

<<  <  ج: ص:  >  >>