للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال: أن أكبر بواعث سوء الفهم هو انتشار الظن في أوربا بأن الإسلام دين القوة والسيف وهذا الظن مخالف للواقع ولطبيعة الإسلام ولما جاء في القرآن.

١ - وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا ان الله لا يحب المعتدين.

٢ - لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين".

وأشار إلى أن الباحث المدقق في أسباب الفتن التي سفكت منها الدماء في الشرق يعلم أن الباعث الوحيد في حدوثها هو أصبع السياسة الأجنبية التي تنتهز الفرص لابقاء نار الثورة بين ذوى الأحقاد. وقاتل ومن هذا القبيل واقعة الدروز الموارنة وواقعة الصقالية والبلغاريين فقد تبين أن الاعتداء انما يبتدئ من جانب النصارى (كان ريتشارد دور صاحب التقرير قنصلا لدولته في دمشق عام ١٨٦٠ أبان الفتنة المشهورة).

وقال أنه لا يجوز الظن بأن المسلمين ينفرون من مجلس الشورى ويرونه تقليدا أوربيا.

-٤ -

واعترف (جورج سارتون) الأستاذ بجامعة هارفارد بأن الإسلام من أصح النظم الدينية وأجملها على حد تعبيره "وهو عندنا أصح تلك النظم وأجملها على الاطلاق، ولكن المسلمين اليوم كثيروا البعد عن حقيقة ما جاء به الإسلام" وردد عبارة الشيخ محمد عبده "الإسلام محجوب بالمسلمين" وقال: أننا اذا نظرنا إلى الإسلام من خلال أعمال المسلمين لم تر تلك المبادئ جلية واضحة، وأكد أن المسلمين يمكن أن يعودوا إلى عظمتهم الماضية والى زعامة العالم السياسية والتعليمية كما كانوا من قبل. ولكن هذا لن يكون إلى اذا عادوا أولا إلى فهم حقيقة الحياة في الإسلام والعلوم التي حث على الأخذ بها.

وأشار (سارتون) إلى أن الهزائم التي منى بها الإسلام لم تزعزع ثقة المسلمين بأنفسهم بل هى على العكس زادت من ثقتهم بأنفسهم.

ويتنبأ بأن المسلمين سيعودون إلى قيادة العالم كرة أخرى "ذلك أن شعوب الشرق الإسلامي وقد قادت العالم في مرحلتين طويلتين من مراحل التقدم الانسانى طوال ألفى سنة على الأقل قبل أيام اليونان ثم في العصور الوسطى مدة أربعة قرون تقريبا فليس هناك ما يمنع تلك الشعوب من أن تقود العالم ثانية في المستقبل القريب أو البعيد.

***

-٥ -

وعرض المستشرق (هـ. أ. جب) لموقف الإسلام من الحضارة والغزو الثقافي ودعوة التغريب (الهلال - م ٤٧ ص ١٨٧٣) فأكد أنه رغم ما تسرب إلى العالم الإسلامي من اتجاهات أوربا ونزعاتها وما أصاب جماعاته من الانحلال السياسى وما بينهما من التفاوت الفكرى مازالت هناك رابطة وثيقة. نشأت من العقيدة والثقافة الدينية المشتركة وهى تؤلف بين المسلمين في الشعور والرأى والمصلحة.

وأشار جب إلى أن المسلمين مازالوا متمسكين بدينهم متشبثين بعقيدتهم مؤمنين أثبت الايمان بأن الإسلام خير الأديان. وأن الإسلام لازال حتى يومنا هذا (١٩٥٠) عقيدة دينية راسخة وقاعدة اجتماعية ثابتة ونظاما خلفيا وطيدا.

وعرض جب لتجربة الإسلام مع الحضارة الحديثة فقال: أن الإسلام استطاع أن يوفق بين الحضارة ونظمه وبذلك مر بأزمة الإلحاد. وقال: أن الوحدة الإسلامية حقيقة قائمة تزداد على الأيام قوة وجلاء ودلل على ذلك بأنه ما يكاد يغشى ربع من ربوع الإسلام أى حادثة خطيرة حتى تذيعها الصحف في أرجاء آسيا وأفريقيا بأسلوب مثير عنيف فلا تلبث أن تتجاوب وتتلاقى.

وقال: أن مقتل الشهيد عمر المختار كان له دوى وأن أرجاء العالم الإسلامي من مراكش إلى جاوه قد اضطربت له (كأنما قد مسها تيار كهربائى كاد يصعقها) وأشار جيب إلى دور الإسلام اليوم بالنسبة لمادية الحضارة وانهيارها المعنوى فقال: أنه ما يزال للإسلام رسالة يؤديها إلى الانسانية جمعاء، فهو يقف وسط الشرق والغرب. وقد أثبت أكثر مما أثبت أى نظام سواء مقدرته على التوفيق والتأليف بين الأجناس المختلفة "واذا لم يكن بد من وسيط يسوى ما بين الشرق والغرب من نزاع وخصام فهذا الوسيط هو الإسلام" ولم يفت جب أن يشير إلى أن الإسلام من حيث هو "عقيدة دينية" لم يفقد الا قليلا بتأثير الغزو الغربي - ولكنه تنحى عن

<<  <   >  >>