للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: هي في قراءة أُبي (قبل موتهم) ليس يهودي يموت أبدًا حتَّى يؤمن بعيسى، قيل لابن عباس: أرأيت إن خرّ من فوق بيت؟ قال: يتكلم به في الهويّ، قيل: أرأيت إن ضربت عنق أحدهم؟ قال: يلجلج بها لسانه (١). وكذا روى سفيان الثوري عن خصيف، عن عكرمة، عن ابن عباس ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ قال: لا يموت يهودي حتَّى يؤمن بعيسى وإن ضرب بالسيف تكلم به، قال: وإن هوى تكلم به وهو يهوي (٢)، وكذا روى أبو داود الطيالسي عن شعبة، عن أبي هارون الغنوي، عن عكرمة، عن ابن عباس، فهذه كلها أسانيد صحيحة إلى ابن عباس، وكذا صح عن مجاهد وعكرمة ومحمد بن سيرين، وبه يقول الضحاك وجويبر (٣). وقال السدي وحكاه عن ابن عباس، ونقل قراءة أُبي بن كعب: (قبل موتهم) (٤).

وقال عبد الرزاق، عن إسرائيل، عن فرات القزاز، عن الحسن في قوله: ﴿إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ قال: لا يموت أحد منهم حتَّى يؤمن بعيسى قبل أن يموت (٥).

وهذا يحتمل أن يكون مراد الحسن ما تقدم عنه، ويحتمل أن يكون مراده ما أراده هؤلاء.

قال ابن جرير: وقال آخرون: معنى ذلك وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن بمحمد قبل موت صاحب الكتاب.

[ذكر من قال ذلك]

حدثني ابن المثنى، حَدَّثَنَا الحجاج بن المنهال، حَدَّثَنَا حماد، عن حُميد، قال: قال عكرمة: لا يموت النصراني ولا اليهودي حتَّى يؤمن بمحمد ؛ يعني في قوله: ﴿وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ﴾ (٦).

ثم قال ابن جرير: وأولى هذه الأقوال بالصحة القول الأول، وهو أنه لا يبقى أحد من أهل الكتاب بعد نزول عيسى إلا آمن به قبل موت عيسى ، ولا شكَّ أن هذا الذي قاله ابن جرير هو الصحيح، لأنَّهُ المقصود من سياق الآية في تقرير بطلان ما ادعته اليهود من قتل عيسى وصلبه، وتسليم من سلم لهم من النصارى الجهلة ذلك، فأخبر الله أنه لم يكن كذلك، وإنما شبّه لهم، فقتلوا الشبه وهم لا يتبينون ذلك، ثم إنه رفعه إليه، وإنه باق حي، وإنه سينزل قبل يوم القيامة، كما دلت عليه الأحاديث المتواترة التي سنوردها إن شاء الله قريبًا، فيقتل مسيح الضلالة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية يعني لا يقبلها من أحد من أهل الأديان، بل لا يقبل إلا الإسلام أو السيف، فأخبرت هذه الآية الكريمة أنه يؤمن به جميع أهل الكتاب حينئذٍ


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه وفيه عتاب بن بشير صدوق يخطئ، وفيه خُصيف صدوق سيء الحفظ، ويتقوى بما سبق.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده خُصيف ويتقوى بالروايات السابقة.
(٣) ذكرهم ابن أبي حاتم بحذف السند، والتخريج السابق يغني لأنَّهُ صح عن ابن عباس كما قرر الحافظ ابن كثير.
(٤) أخرجه الطبري بسند ضعيف جدًّا من طريق جويبر عن أبي، وجويبر متروك.
(٥) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وسنده صحيح.
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح، وحماد هو ابن سلمة، وحُميد هو: الطويل.