للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال قتادة: وذُكر لنا أن أبا بكر الصديق قال في خطبته: ألا إن الآية التي نزلت في أول سورة النساء في شأن الفرائض أنزلها الله في الولد والوالد، والآية الثانية أنزلها في الزوج والزوجة والإخوة من الأم، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الإخوة والأخوات من الأب والأُم، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله مما جرت الرحم من العصبة، رواه ابن جرير (١).

[ذكر الكلام على معناها]

وبالله المستعان وعليه التكلان. قوله تعالى: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ﴾ أي: مات، قال الله تعالى: ﴿كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ﴾ [القصص: ٨٨] كل شيء يفنى ولا يبقى إلا الله ﷿، كما قال: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ (٢٧)[الرحمن].

قوله: ﴿لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ﴾ تمسك به من ذهب إلى أنه ليس من شرط الكلالة انتفاء الوالد، بل يكفي في وجود الكلالة انتفاء الولد وهو رواية عن عمر بن الخطاب، رواها ابن جرير عنه بإسناد صحيح إليه، ولكن الذي يرجع إليه هو قول الجمهور وقضاء الصديق أنه الذي لا ولد له ولا والد، ويدل على ذلك قوله: ﴿وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ ولو كان معها أب لم ترث شيئًا لأنه يحجبها بالإجماع، فدل على أنه من لا ولد له بنص القرآن ولا والد بالنص عند التأمل أيضًا، لأن الأخت لا يفرض لها النصف مع الوالد بل ليس لها ميراث بالكلية.

وقال الإمام أحمد: حدثنا الحكم بن نافع، حدثنا أبو بكر بن عبد الله، عن مكحول وعطية وحمزة وراشد، عن زيد بن ثابت أنه سئل عن زوج وأخت لأب وأُم، فأعطى الزوج النصف والأخت النصف، فكلم في ذلك فقال: حضرت رسول الله قضى بذلك (٢). تفرد به أحمد من هذا الوجه، وقد نقل ابن جرير وغيره عن ابن عباس وابن الزبير أنهما كانا يقولان في الميت: ترك بنتًا وأختًا إنه لا شيء للأخت لقوله: ﴿إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ﴾ (٣) قال: فإذا ترك بنتًا فقد ترك ولدًا فلا شيء للأخت، وخالفهما الجمهور (٤) فقالوا في هذه المسألة: للبنت النصف بالفرض، وللأخت النصف الآخر بالتعصيب بدليل غير هذه الآية، وهذه الآية نصت أن يفرض لها في هذه الصورة وأما وراثتها بالتعصيب فلما رواه البخاري من طريق سليمان، عن إبراهيم، عن الأسود قال: قضى فينا معاذ بن جبل على عهد رسول الله ، النصف للبنت والنصف للأخت، ثم قال سليمان: قضى فينا ولم يذكر على عهد رسول الله (٥).


(١) أخرجه الطبري من طريق قتادة به، وسنده ضعيف للانقطاع بين قتادة وأبي بكر فإنه لم يسمع منه.
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٥/ ١٨٨)، وسنده ضعيف لضعف أبي بكر بن عبد الله وهو ابن أبي مريم الغساني الشامي (التقريب ص ٦٢٣).
(٣) ذكره الطبري من غير سند (التفسير ٩/ ٤٤٣)، ط. شاكر.
(٤) لا يمكن الجزم بمخالفة الجمهور إلى ابن عباس وابن الزبير إذا صح السند إليهما أو إلى أحدهما، وقد روي بحذف السند.
(٥) أخرجه البخاري من طريق شعبة عن سليمان به (الصحيح، الفرائض، باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة ح ٦٧٤١).