للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وخافوا مني، ﴿وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾ فيه قولان سيأتي بيانهما.

[سبب آخر في نزول هذه الآيات الكريمات]

قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن العباس، حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد، عن أبيه، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه، عن ابن عباس، قال: إن الله أنزل: ﴿وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ﴾، ﴿فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [المائدة: ٤٥]، ﴿وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ [النور: ٤] قال: قال ابن عباس: أنزلها اللّه في الطائفتين من اليهود، وكانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا واصطلحوا على أن كل قتيل قتلته العزيزة من الذليلة فديته خمسون وسقًا (١)، وكل قتيل قتلته الذليلة من العزيزة فديته مائة وسق، فكانوا على ذلك حتى قدم النبي المدينة، فذلت الطائفتان كلتاهما، لمقدم رسول اللّه ويومئذٍ لم يظهر، ولم يوطئهما عليه وهو في الصلح، فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلًا، فأرسلت العزيزة إلى الذليلة أن ابعثوا لنا بمائة وسق، فقالت الذليلة: وهل كان في حَيَّيْن قط. دينهما واحد، ونسبهما واحد، وبلدهما واحد، دية بعضهم نصف دية بعض، إنما أعطيناكم هذا ضيمًا (٢) منكم لنا وفرقًا (٣) منكم، فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم فكادت الحرب تهيج بينهما ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول اللّه بينهم، ثم ذكرت العزيزة، فقالت: والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم، ولقد صدقوا، ما أعطونا هذا إلا ضيمًا منا وقهرًا لهم فدسّوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه، وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه، فدسّوا إلى رسول اللّه ناسًا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله ، فلما جاؤوا رسول اللّه ، أخبر اللّه رسوله بأمرهم كله وما أرادوا، فأنزل اللّه تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾ إلى قوله: ﴿الْفَاسِقُونَ﴾ ففيهم والله أنزل، وإياهم عنى اللّه ﷿ (٤). ورواه أبو داود من حديث ابن أبي الزناد عن [أبيه] (٥) بنحوه (٦).

وقال أبو جعفر بن جرير، حدثنا هناد بن السري وأبو كريب، قالا: حدثنا يونس بن بكير، عن محمد بن إسحاق، حدثني داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: أن الآيات التي في المائدة قوله: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ﴾ إلى ﴿الْمُقْسِطِينَ﴾ إنما أنزلت في الدية في بني النضير وبني قريظة، وذلك أن قتلى بني النضير كان لهم شرف، تؤدى لهم الدية كاملة، وأن قريظة كانوا يؤدى لهم نصف الدية، فتحاكموا في ذلك إلى رسول الله ، فأنزل اللّه ذلك فيهم، فحملهم


(١) الوسق: حمل بعير (المصباح المنير ٢/ ٣٣٦).
(٢) أي: ظلمًا.
(٣) أي: خوفًا.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه وصححه أحمد شاكر (المسند ح ٢٢١٢)، وصححه أيضًا الساعاتي (الفتح الرباني ١٨/ ١٣١).
(٥) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل بياض.
(٦) السنن، الأقضية، باب في القاضي يخطئ (ح ٣٥٧٦)، قال الألباني حسن صحيح (صحيح سنن أبي داود ح ٣٠٥٣).