للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبي نشرة، عن عمران بن حصين أن غلامًا لأناس فقراء، قطع أذن غلام لأناس أغنياء، فأتى أهله النبي فقالوا: يا رسول الله، إنا أناس فقراء، فلم يجعل عليه شيئًا (١).

وكذا رواه النسائي عن إسحاق بن راهويه، عن معاذ بن هشام الدستوائي، عن أبيه، عن قتادة به (٢). وهذا إسناد قوي، رجاله كلهم ثقات، وهو حديث مشكل، اللهم إلا أن يقال: إن الجاني كان قبل البلوغ فلا قصاص عليه، ولعله تحمل أرش ما نقص من غلام الأغنياء عن الفقراء أو استعفاهم عنه.

وقوله تعالى: ﴿وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ﴾ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: تقتل النفس بالنفس، وتفقأ العين بالعين، ويقطع الأنف بالأنف، وتنزع السن بالسن، وتقتص الجراح بالجراح، فهذا يستوي فيه أحرار المسلمين فيما بينهم رجالهم ونساؤهم، إذا كان محمدًا في النفس وما دون النفس، ويستوي فيه العبيد رجالهم ونساؤهم فيما بينهم، إذا كان محمدًا في النفس وما دون النفس (٣)، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.

[قاعدة مهمة]

الجراح تارة تكون في مفصل، فيجب فيه القصاص بالإجماع، كقطع اليد والرجل والكفّ والقدم ونحو ذلك، وأما إذا لم تكن الجراح في مفصل بل في عظم، فقال مالك : فيه القصاص إلا في الفخذ وشبهها، لأنه مخوف خطر.

وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يجب القصاص في شيء من العظام إلا في السنّ.

وقال الشافعي: لا يجب القصاص في شيء من العظام مطلقًا، وهو مروي عن عمر بن الخطاب وابن عباس، وبه يقول عطاء والشعبي والحسن البصري والزهري وإبراهيم النخعي وعمر بن عبد العزيز، وإليه ذهب سفيان الثوري والليث بن سعد، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد.

وقد احتج أبو حنيفة بحديث الرُبيّع بنت النضر على مذهبه أنه لا قصاص في عظم إلا في السن، وحديث الرُبيّع لا حجة فيه لأنه ورد بلفظ وكسرت ثنية جارية، وجائز أن تكون سقطت من غير وكسر، فيجب القصاص والحالة هذه بالإجماع، وتمَّموا الدلالة مما رواه ابن ماجه عن طريق أبي بكر بن عياش، عن دهثم بن قُرّان، عن نمران بن جارية، عن أبيه جارية بن ظفر الحنفي: أن رجلًا ضرب رجلًا على ساعده بالسيف من غير المفصل فقطعها، فاستعدى النبي فأمر له بالدية، فقال: يا رسول الله، أريد القصاص، فقال: خذ الدية، بارك الله لك فيها، ولم يقض له بالقصاص (٤).

وقال الشيخ أبو عمر بن عبد البر: ليس لهذا الحديث غير هذا الإسناد، ودهثم بن قُرّان العكلي ضعيف، أعرابي ليس حديثه مما يحتج به، ونمران بن جارية ضعيف، أعرابي أيضًا،


(١) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه (السنن، السُنّة، باب في جناية العبد يكون للفقراء ح ٤٥٩٠)، وصحح سنده الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٨٣٧).
(٢) سنن النسائي، القسامة، باب سقوط القود بين المماليك فيما دون النفس (٨/ ٢٥)، وقواه الحافظ ابن كثير.
(٣) أخرجه الطبري وابن أبي حاتم بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة به.
(٤) أخرجه ابن ماجه بسنده ومتنه (السنن، الديات، باب ما لا قود فيه ح ٢٦٣٦)، ونقل البوصيري عن أبي داود أنه ضعيف بسبب دهثم بن قُرّان. (مصباح الزجاجة ٢/ ٣٣٦).