للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كأن فيها قمرًا، لا يخرج شيطانها حتى [يضيء فجرها] (١) " (٢).

[[فصل]]

اختلف العلماء: هل كانت ليلة القدر في الأُمم السالفة، أو هي من خصائص هذه الأُمة؟ على قولين:

قال أبو مصعب أحمد بن أبي بكر الزهري: حدثنا مالك؛ أنه بلغه: أن رسول الله أُري أعمار الناس قبله -أو: ما شاء الله من ذلك- فكأنه تقاصر أعمار أُمته ألا يبلغوا من العمل الذي بلغ غيرهم في طول العمر، فأعطاه الله ليلة القدر خيرًا من ألف شهر (٣). وقد أُسند من وجه آخر. وهذا الذي قاله مالك يقتضي تخصيص هذه الأُمة بليلة القدر، وقد نقله صاحب "العُدّة" أحد أئمة الشافعية عن جمهور العلماء، فالله أعلم.

وحكى الخطابي عليه الإجماع [ونقله الرافعي جازمًا به عن المذهب] (٤)، والذي دلَّ عليه الحديث أنها كانت في الأُمم الماضين كما هي في أُمتنا.

قال أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن سعيد، عن عكرمة بن عمار: حدثني أبو زُمَيل سِمَاك الحَنَفي: حدثني مالك بن مَرْثَد بن عبد الله، حدثني [مَرْثَدَ] (٥) قال: سألت أبا ذرٍّ قلت: كيف سألت رسول الله عن ليلة القدر؟ قال: أنا كنت أسأل الناس عنها، قلت: يا رسول الله، أخبرني عن ليلة القدر، أفي رمضان هي أو في غيره؟ قال: "بل هي في رمضان". قلت: تكون مع الأنبياء ما كانوا، فإذا قبضوا رفعت؟ أم هي إلى يوم القيامة؟ قال: "بل هي إلى يوم القيامة". قلت: في أي رمضان هي؟ قال: "التمسوها في العشر الأول، والعشر الأواخر". ثم حَدّثَ رسولُ الله وحَدّث، ثم اهتبلت غفلته قلت: في أي العشرين هي؟ قال: "ابتغوها في العشر الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها". ثم حدّث رسول الله ، ثم اهتبلت غفلته فقلت: يا رسول الله، أقسمت عليك بحقي عليك لَمَا أخبرتني في أي العشر هي؟ فغضب عليَّ غضبًا لم يغضب مثله منذ صحبته، وقال: "التمسوها في السبع الأواخر، لا تسألني عن شيء بعدها" (٦).

ورواه النسائي عن الفلاس، عن يحيى بن سعيد القطان، به (٧).

ففيه دلالة على ما ذكرناه، وفيه أنها تكون باقية إلى يوم القيامة في كل سنة [بعد النبي ] (٨)، لا كما زعمه بعض طوائف الشيعة من رفعها بالكلية، على ما فهموه من الحديث الذي سنورده


(١) هكذا في (ح)، وفي الأصل صحفت إلى: "قضى بحرها".
(٢) أخرجه ابن خزيمة من طريق أبي الزبير عن جابر؛ وصححه الألباني بشواهده (الصحيح ح ٢١٩٠).
(٣) أخرجه الإمام مالك بلاغًا (الموطأ، الاعتكاف، باب ما جاء في ليلة القدر ح ١٥) وسنده ضعيف.
(٤) زيادة من (ح).
(٥) كذا في المسند، وفي الأصل صحف إلى: "يزيد".
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وضعف سنده محققوه. (المسند ٣٦/ ٣٩٣، ٣٩٤ ح ٢١٤٩٩).
(٧) السنن الكبرى، الاعتكاف، باب ليلة القدر (ح ٣٤٢٧) وسنده كسابقه.
(٨) زيادة من (ح) و (حم).