للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير سورة الفرقان وهي مكية]

تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالمِينَ نَذِيرًا (١) الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا (٢)

يقول تعالى حامدًا نفسه [١] الكريمة على ما نزله على رسوله الكريم من القرآن العظيم، كما قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (١) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ﴾ … الآية [٢]، وقال ها هنا: ﴿تَبَارَكَ﴾، وهو تفاعل، من البركة المستقرة [الدائمة الثابتة] [٣] ﴿الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ﴾؛ نزّل: فَعَّل، من التكرر والتكثر، كما قال: ﴿وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ﴾؛ لأن الكتب المتقدمة كانت تنزل جملة واحدة والقرآن [نزل] [٤] منجمًا [مفرقًا] [٥] مفصلًا آيات بعد آيات، وأحكامًا بعد أحكام، وسُورًا بعد سُوَر، وهذا أشد وأبلغ، وأشد اعتناءً بمن أنزل عليه؛ كما قال في أثناء هذه السورة: ﴿وَقَال الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا (٣٢) وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إلا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا﴾، ولهذا سماه هاهنا الفرقان، لأنه يفرق بين الحق والباطل، والهدى والضلال، والغيّ والرشاد، و [الحرام والحلال].

وقوله: ﴿عَلَى عَبْدِهِ﴾، هذه صفة مدح وثناء، لأنه [٦] أضافه إلى عبوديته، كما وصفه بها في أشرف أحواله، وهي ليلة الإِسراء، فقال: ﴿سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيلًا﴾، وكما وصفه بذلك في مقام الدعوة إليه: ﴿وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيهِ لِبَدًا﴾، وكذلك وصفه عند إنزال الكتاب عليه ونزول الملك إليه، فقال: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالمِينَ نَذِيرًا (١)﴾.

وقوله: ﴿لِيَكُونَ لِلْعَالمِينَ نَذِيرًا﴾، أي: إنما خصه بهذا الكتاب العظيم المبين المفصل المحكم، الذي ﴿لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَينِ يَدَيهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ﴾ الذي


[١]- في ت: "لنفسه".
[٢]- زيادة من: ت.
[٣]- ما بين المعكوفتين في خ: "الثابتة الدائمة".
[٤]- ما بين المعكوفتين سقط من ت.
[٥]- ما بين المعكوفتين سقط من: ت.
[٦]- في ز: "لا".