للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باقتراحهم أو غيره لا يؤمنون بها، ويعتقدون أنها سحر وباطل، كما قالوا في انشقاق القمر ونحوه، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ (٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ﴾، ولهذا قال هاهنا، ﴿كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾، أي: اصبر على مخالفتهم وعنادهم، فإن الله منجز لك ما وعدك من نصره إياك، وجعله العاقبة لك، ولمن اتبعك في الدنيا والآخرة. ﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾، أي: بل اثبت على ما بعثك الله [١] به، فإنه الحق الذي [لا مرية فيه] [٢]، ولا تعدل عنه، وليس فيما سواه هُدى يتبع، بل الحق كله [٣] منحصر فيه.

قال سعيد، عن قتادة: نادى رجل من الخوارج عليًّا وهو في الصلاة - صلاة الغداة - فقال: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، فأنصت له علي [٤] حتى فهم ما قال، فأجابه وهو في الصلاة: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾. رواه ابن جرير، وابن أبي حاتم. وقد رواه ابن جرير من وجه آخر فقال:

حدثنا ابن وكيع، حدثنا يحيى بن آدم، عن شريك، عن عثمان بن أبي زرعة، عن علي بن ربيعة قال: نادى رجل من الخوارج عليًّا وهو في صلاة الفجر، فقال: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، فأجابه علي وهو في الصلاة: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾ (٤١).

(طريق أخرى) قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا علي بن الجعد، أخبرنا شريك، عن عمران بن ظَبيان، عن أبي تحيا قال: صلى علي صلاة الفجر، فناداه رجل من الخوارج: ﴿لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، فأجابه علي، وهو في الصلاة: ﴿فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾.

[ما روي في فضل هذه السورة الشريفة واستحباب قراءتها في الفجر]

قال الإِمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر، عن شعبة، عن عبد الملك بن عمير، سمعت شبيبًا أبا روح، يحدث عن رجل من أصحاب النبي أن رسول الله صلى بهم الصبح فقرأ فيها الرّوم فأوهم (*)، فقال: "إنه يلبس علينا القرآن،


(٤١) تفسير الطبري (٢١/ ٣٨).
(*) أوهم في الصلاة أو في القراءة: ترك منها شيئًا. يقال: أوهمت الشيء إذا تركته. وأوهمت في الكلام والكتاب إذا أسقطت منه شيئًا.