للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الله فيها، فقصدها فأتاه الموت في أثناء الطَّريق، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فأمر الله أن يقيسوا ما بين الأرضين، فإلى أيهما كان أقرب فهو منها. فوجدوه أقرب إليَّ الأرض التي هاجر إليها بشبر، فقبضته ملائكة الرحمة. وذُكر أنَّه نأى بصدره عند الموت، وأن الله أمر البلدة الخَيِّرة أن تقترب، وأمر تلك البلدة [١] أن تتباعد.

هذا معنى الحديث، وقد كتبناه في موضع آخر بلفظه.

وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، قوله: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا … ﴾ إلى آخر الآية، قال: قد دعا الله إلى مغفرته من زعم أن المسيح هو الله، ومن زعم أن المسيح هو ابن الله، ومن زعم أن عُزَيرًا ابن الله، ومن زعم أن الله فقير، ومن زعم أن يد الله مغلولة، ومن زعم أن الله ثالث ثلاثة، يقول الله تعالى لهؤلاء: ﴿أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾، ثم دعا إلى توبته مَن [٢] هو أعظم قولًا من هؤلاء، من قال: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾، وقال: ﴿مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيرِي﴾، قال ابن عباس: مَن آيَسَ عبادَ الله من التوبة بعد هذا فقد جَحَد كتاب الله، ولكن لا يقدر العبد أن يتوب حتَّى يتوب الله عليه.

وروى الطبراني من طريق الشعبيّ، عن سنيد بن شَكَل؛ أنَّه قال: سمعتُ ابنَ مسعود يقول: إن أعظم آية في كتاب الله: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ﴾، وإن أجمع آية في القرآن بخير وشر: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ﴾، وإن أكثر آية في القرآن فرجًا في سورة الغرف: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾، وإن أشد آية في كتاب الله تصريفًا: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾. فقال له مسروق: صدقت.

وقال الأعمش، عن أبي سعيد، عن أبي الكنود؛ قال: مر عبد الله -يعني ابن مسعود- على قاصٍّ، وهو يذكر النَّاس، فقال: يا مُذكِّر، لِمَ تُقَنّط النَّاس؟ ثم قرأ: ﴿قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ﴾. رواه ابن أبي حاتم.

[ذكر أحاديث فيها نفى القنوط]

قال الإمام أحمد (٣٤): حدَّثنا سُرَيج بن النُّعمان، حدَّثنا أبو عُبيدة عبد المؤمن بن عبيد الله


= حديث أبي الصِّديق الناجي عن أبي سعيد الخدري به.
(٣٤) - المسند (٣/ ٢٨٣) وأخرجه البُخاريّ في التَّاريخ (٢/ ٦٥)، وأبو يعلى في مسنده (٤٢٢٦) من طريق عبد المؤمن به. وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (١٠/ ٢١٨): رجاله ثقات.