للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيءٍ عَلِيمًا﴾ أي: هو عليم بمن يستحق الخير ممن يستحق الشر.

وقد قال النسائي (٦٢): حدثنا إبراهيم بن سعيد [١]، حدثنا شبابة بن سوار، عن أبي رزين، عن [٢] عبد الله بن العلاء بن زَبْر، عن [بُسْر بن عُبيد الله] [٣]، عن أبي إدريس، عن أبيّ بن كعب؛ أنه كان يقرأ: ﴿إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ﴾، ولو حميتم كما حموا لفسد المسجد الحرام. فبلغ ذلك عمر فأغلظ له، فقال: إنك لتعلم أني كنت أدخل على رسول الله فيعلمني مما علمه الله. فقال عمر: بل أنت رجل عندك [٤] علم وقرآن، فاقرأ وعلم مما علمك الله ورسوله.

[(وهذا ذكر الأحاديث الواردة في قصة الحديبية وقضية الصلح)]

قال الإمام أحمد (٦٣): حدثنا يزيد بن هارون، أخبرنا محمد بن إسحاق بن يسار، عن الزهري، عي عروة بن الزبير، عن المسور بن مَخْرَمة ومَروان بن الحكم؛ قالا: خرج رسول الله [عام الحديبية] [٥] يريد زيارة البيت لا يريد قتالًا، وساق معه الهَدي سبعين بَدنة، وكان الناس سبعمائة رجل، فكانت كل بَدنة عن عشرة، وخرج رسول الله حتى إذا كان بعُسْفان لقيه بشر بن سفيان الكعبي، فقال: يا رسول الله؛ هذه قريش قد سمعت بمسيرك فخرجت معها العوذ المطافيل، قد لبست جلود النمور، يعاهدون الله أن لا تدخلها عليهم عَنوة أبدًا، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قَدّموه إلي كُرَاع الغميم، فقال رسول الله : "يا ويح قريش! قد أكلتهم الحرب، ماذا عليهم لو خَلَّوا بيني وبين سائر الناس؟ فإن أصابوني كان الذي أرادوا، وإن أظهرني الله دخلوا في الإِسلام وهم وافرون، وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة، فماذا تظن قريش؟ فوالله لا أزال أجاهدهم علي الذي بعثني الله به [٦] حتى يظهرني الله أو تنفرد هذه السالفة".

ثم أمر الناس فسلكوا ذات اليمين بين [٧] ظهري الحمض علي طريق تخرجه علي ثنية المرار [٨] والحديبية من أسفل مكة. قال: فسلك بالجيش تلك الطريق، فلما رأت خيل


(٦٢) - أخرجه النسائي في تفسيره (٥٢٥)، وأخرجه الحاكم في مستدركه (٢/ ٢٢٥ - ٢٢٦) من طريق أبي زيد به، وصححه علي شرط الشيخين.
(٦٣) - المسند (٤/ ٣٢٣)، والحديث رواه الشيخان من غير طريق ابن إسحاق، وقد تقدم تخريجه.