للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عبد القاهر ينظر إلى النظم البلاغي على أنه قطب الدائرة للبلاغة العربية؛ ومنه تتفرع مسائل المعاني، التي عبر عنها بمعاني النحو فيما بين الكلم على حسب الأغراض التي يساق لها الكلام، ومن هذه المعاني تتكون صور البيان من تشبيه ومجاز وكناية؛ وبين هذه الصور وتلك المعاني تنتشر قيم جمالية راجعة إلى جمال المعاني، قبل أن تكون زينة للألفاظ.

ولكنهم نظروا إليه نظرة مختلفة عن نظرة عبد القاهر؛ فهم - وإن كانوا قد عرفوا البلاغة بأنها: مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته أخذاً من تفسير عبد القاهر في دلائل الإعجاز لمعنى النظم البلاغي - قد انشغلوا بتقسيم البلاغة إلى علوم ثلاثة هي: علم المعاني. وعلم البيان، وعلم البديع، ثم بتقسيم هذه العلوم إلى أبوابها وفصولها ومسائلها.

وليتهم - إلى جانب هذا الجهد المشكور الذي بذلوه في تقنين البلاغة - قد انشغلوا - أيضاً - بتطبيق ما توصلوا إليه من قواعد بلاغية على النصوص الأدبية التي يزخر بها أدبنا العربي من شعر، أو نثر، ولكن إمعانهم في تتبع القواعد البلاغية، وصياغتها صياغة محكمة، ومحاولة ربطها بما أتقنوه من قواعد المنطق والفلسفة قد باعد بينهم وبين هذا التطبيق؛ اللهم إلا أن يأتوا لكل قاعدة بمثال!

وكأن البلاغة قد أصبحت في نظرهم قواعد مشفوعة بأمثلة؛ شأنها شأن النحو، أو الصرف، أو العروض، بل إنهم أمعنوا في إبعاد النص الأدبي عن البلاغة العربية بمحاولتهم الاكتفاء من النص بمحل الشاهد بيتاً كان، أو شطراً من بيت، أو جملة واحدة!

ذلكم هو ما أغرى القائلين بانفصال البلاغة عن النقد الأدبي، بل وأغرى

<<  <   >  >>