للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بأنها أفضل من ليلة القدر وحرّره؛ فإنّي لا أعلم من سبقنى إلى هذا المبحث بالخوض والتحرير: (يكفى في تفضيل ليلة المولد على ليلة الإسراء أنه لم يقع مفاضلة بينها وبين ليلة الإسراء، وإنما وقع التفضيل بين ليلة الإسراء وليلة القدر، وبين ليلة المولد وليلة القدر، حتى لو قيل بتفضيل ليلة الإسراء على ليلة القدر، لا ينتج منه فضل ليلة الإسراء على ليلة الولادة، وسيأتى في كلامه ما يؤيد ذلك في الكلام على تفضيل الليل على النهار. وسيأتى أيضا فى كلام الشيخ ما يؤيده، ثم هاهنا تنبيه وهو أنهم لم يتكلموا على ليلة حمله صلّى الله عليه وسلّم بحسب المفاضلة، مع أنها أوّل زمان ظهوره الخارجي، وتنبيه اخر: وهو أنهم لم يخصوا ذلك باللحظة التى خرج فيها من الرحم، مع أنه ينبغى أن يقصر عليها لأنها لحظة الظهور، وباقى الليلة خال عنه، فحكمه حكم باقى أيام وجوده، وأما ليلة القدر فجميعها ظرف لنزول القران وقسم الأرزاق ونزول الملائكة ومحق الذنوب وإعطاء المطلوب. وانظر على القول بأنه ولد نهارا، وينبغى أن تلك اللحظة أو جميع اليوم أفضل من ليلة القدر، ومن يوم ليلة القدر، وإن كان العمل في يومها كالعمل في ليلتها، فإن قلت: فما معنى أفضلية ما ذكر من الليل وغيره لكونه خصّ بما وجد فيه دون غيره أو في نفسه؟ وما معنى أفضليته في نفسه، والزمان لا يفضّل بعضه على بعض؟

فقد قال إمام العلماء العز بن عبد السلام: «إن الأزمنة والأمكنة كلها متساوية، ويفضلان بما يقع فيهما، لا بصفات قائمة بهما، ويرجع تفضيلهما إلى ما ينيل الله العباد فيهما، وإن التفضيل الذى فيهما أن الله يجود على عباده بتفضيل أجر العاملين فيهما» قلت: بل الأزمنة والأمكنة يفضل بعضها على بعض بتفضيل الله تعالى، ولا مانع أن يخص الله تعالى بعض مخلوقاته من زمان أو مكان بفضل ليس في الاخر، كما خصّ الله بعض الادميين والملائكة.

وقال الإمام تقى الدين السبكى عقب حكايته لكلام ابن عبد السلام:

«وأنا أقول: قد يكون التفضيل لذلك، وقد يكون لأمر اخر فيهما، وإن لم يكن عملا؛ فإن القبر الشريف ينزل عليه من الرحمة والرضوان والملائكة، وله عند الله من المحبة ولساكنه ما تقصر العقول عن إدراكه، وليس ذلك لمكان غيره،