للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ: وَلَا يَكُونُ الرَّهْنُ مَقْبُوضًا إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ أَحَدٌ غَيْرُ الرَّاهِنِ بِأَمْرِ الْمُرْتَهِنِ فَيَكُونُ وَكِيلُهُ فِي قَبْضِهِ فَإِنْ ارْتَهَنَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا وَوَكَّلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَقَبَضَهُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ قَبْضًا، وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا عَلَى نَفْسِهِ لِغَيْرِهِ فِي قَبْضٍ كَمَا لَوْ كَانَ لَهُ عَلَيْهِ حَقٌّ فَوَكَّلَهُ بِأَنْ يَقْبِضَهُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَفَعَلَ فَهَلَكَ لَمْ يَكُنْ بَرِيئًا مِنْ الْحَقِّ كَمَا يَبْرَأُ مِنْهُ لَوْ قَبَضَهُ وَكِيلٌ غَيْرُهُ، وَلَا يَكُونُ وَكِيلًا عَلَى نَفْسِهِ فِي حَالٍ إلَّا الْحَالَ الَّتِي يَكُونُ فِيهَا وَلِيًّا لِمَنْ قَبَضَ لَهُ وَذَلِكَ أَنْ يَكُونَ لَهُ ابْنٌ صَغِيرٌ فَيَشْتَرِي لَهُ مِنْ نَفْسِهِ وَيَقْبِضُ لَهُ أَوْ يَهَبُ لَهُ شَيْئًا وَيَقْبِضُهُ فَيَكُونُ قَبْضُهُ مِنْ نَفْسِهِ قَبْضًا لِابْنِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ ابْنِهِ.

وَكَذَلِكَ إذَا رَهَنَ ابْنَهُ رَهْنًا فَقَبَضَهُ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ ابْنُهُ بَالِغًا غَيْرَ مَحْجُورٍ لَمْ يَجُزْ مِنْ هَذَا شَيْءٌ إلَّا أَنْ يَقْبِضَهُ ابْنُهُ لِنَفْسِهِ أَوْ وَكِيلٍ لِابْنِهِ غَيْرِ أَبِيهِ.

وَإِذَا كَانَ لِلرَّجُلِ عَبْدٌ فِي يَدِ رَجُلٍ وَدِيعَةً أَوْ دَارٌ أَوْ مَتَاعٌ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ وَأَذِنَ لَهُ بِقَبْضِهِ فَجَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يُمْكِنُهُ فِيهَا أَنْ يَقْبِضَهُ، وَهُوَ فِي يَدِهِ فَهُوَ قَبْضٌ فَإِذَا أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ قَبَضَ الرَّهْنَ فَصَدَّقَهُ الْمُرْتَهِنُ أَوْ ادَّعَى قَبْضَهُ فَالرَّهْنُ مَقْبُوضٌ، وَإِنْ لَمْ يَرَهُ الشُّهُودُ. وَسَوَاءٌ كَانَ الرَّهْنُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا وَذَلِكَ أَنَّ الرَّهْنَ قَدْ يَقْبِضُهُ الْمُرْتَهِنُ بِالْبَلَدِ الَّذِي هُوَ بِهِ فَيَكُونُ ذَلِكَ قَبْضًا إلَّا فِي خَصْلَةِ أَنْ يَتَصَادَقَا عَلَى أَمْرٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُهُ مَقْبُوضًا فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَذَلِكَ أَنْ يَقُولَ اشْهَدُوا أَنِّي قَدْ رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ دَارِي الَّتِي بِمِصْرَ، وَهُمَا بِمَكَّةَ، وَقَبَضَهَا فَيَعْلَمُ أَنَّ الرَّهْنَ إنْ كَانَ الْيَوْمَ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُقْبَضَ لَهُ بِمَكَّةَ مِنْ يَوْمِهِ هَذَا، وَمَا فِي هَذَا الْمَعْنَى.

وَلَوْ كَانَتْ الدَّارُ فِي يَدِهِ بِكِرَاءٍ أَوْ وَدِيعَةٍ كَانَتْ كَهِيَ لَوْ لَمْ تَكُنْ فِي يَدِهِ لَا يَكُونُ قَبْضًا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَيْهَا مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ فِي يَدِهِ بِالرَّهْنِ دُونَ الْكِرَاءِ أَوْ الْوَدِيعَةِ أَوْ الرَّهْنِ مَعَهُمَا أَوْ مَعَ أَحَدِهِمَا، وَكَيْنُونَتُهَا فِي يَدِهِ بِغَيْرِ الرَّهْنِ غَيْرُ كَيْنُونَتِهَا فِي يَدِهِ بِالرَّهْنِ فَأَمَّا إذَا لَمْ يُؤَقِّتْ وَقْتًا وَأَقَرَّ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ دَارِهِ بِمَكَّةَ، وَقَبَضَهَا ثُمَّ قَالَ الرَّاهِنُ إنَّمَا رَهَنْتُهُ الْيَوْمَ، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ بَلْ رهنتنيها فِي وَقْتٍ يُمْكِنُ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَكُونَ قَبَضَهَا قَابِضٌ بِأَمْرِهِ وَعَلِمَ الْقَبْضَ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ أَبَدًا حَتَّى يُصَدِّقَ الرَّاهِنُ بِمَا وَصَفْتُ مِنْ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا. وَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ أُحَلِّفَ لَهُ الْمُرْتَهِنَ عَلَى دَعْوَاهُ بِأَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِالْقَبْضِ، وَلَمْ يَقْبِضْ مِنْهُ فَعَلْتُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ رَهْنًا حَتَّى يَقْبِضَهُ. وَاَللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - أَعْلَمُ.

مَا يَكُونُ قَبْضًا فِي الرَّهْنِ، وَلَا يَكُونُ، وَمَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا.

(قَالَ الشَّافِعِيُّ): - رَحِمَهُ اللَّهُ - كُلُّ مَا كَانَ قَبْضًا فِي الْبُيُوعِ كَانَ قَبْضًا فِي الرَّهْنِ وَالْهِبَاتِ وَالصَّدَقَاتِ لَا يَخْتَلِفُ ذَلِكَ فَيَجُوزُ رَهْنُ الدَّابَّةِ وَالْعَبْدِ وَالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ وَالْأَرْضِينَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيَجُوزُ رَهْنُ الشِّقْصِ مِنْ الدَّارِ وَالشِّقْصِ مِنْ الْعَبْدِ، وَمِنْ السَّيْفِ، وَمِنْ اللُّؤْلُؤَةِ، وَمِنْ الثَّوْبِ كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ هَذَا كُلُّهُ وَالْقَبْضُ فِيهِ أَنْ يُسَلَّمَ إلَى مُرْتَهِنِهِ لَا حَائِلَ دُونَهُ كَمَا يَكُونُ الْقَبْضُ فِي الْبَيْعِ قَبْضَ الْعَبْدِ وَالثَّوْبِ، وَمَا يَجُوزُ أَنْ يَأْخُذَهُ مُرْتَهِنُهُ مِنْ يَدِ رَاهِنِهِ.

وَقَبْضُ مَا لَا يَحُولُ مِنْ أَرْضٍ وَدَارٍ وَغِرَاسٍ أَنْ يُسَلَّمَ لَا حَائِلَ دُونَهُ، وَقَبْضُ الشِّقْصِ مِمَّا لَا يَحُولُ كَقَبْضِ الْكُلِّ أَنْ يُسَلَّمَ لَا حَائِلَ دُونَهُ، وَقَبْضُ الشِّقْصِ مِمَّا يَحُولُ مِثْلُ السَّيْفِ وَاللُّؤْلُؤَةِ، وَمَا أَشْبَهُهُمَا أَنْ يُسَلَّمَ لِلْمُرْتَهِنِ فِيهَا حَقُّهُ حَتَّى يَضَعَهَا الْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ عَلَى يَدِ عَدْلٍ أَوْ فِي يَدِ الشَّرِيكِ فِيهَا الَّذِي لَيْسَ بِرَاهِنٍ أَوْ يَدِ الْمُرْتَهِنِ، فَإِذَا كَانَ بَعْضُ هَذَا فَهُوَ قَبْضٌ، وَإِنْ صَيَّرَهَا الْمُرْتَهِنُ إلَى الرَّاهِنِ أَوْ إلَى غَيْرِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ فَلَيْسَ بِإِخْرَاجٍ لَهَا مِنْ الرَّهْنِ كَمَا وَصَفْت لَا يُخْرِجُهَا إلَّا فَسْخُ الرَّهْنِ أَوْ الْبَرَاءَةُ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي بِهِ الرَّهْنُ.

وَإِذَا أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ قَبَضَ الرَّهْنَ وَادَّعَى ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ حُكِمَ لَهُ بِأَنَّ الرَّهْنَ تَامٌّ بِإِقْرَارِ الرَّاهِنِ وَدَعْوَى الْمُرْتَهِنِ، وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ فِي الشِّقْصِ غَائِبًا فَأَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ قَدْ قَبَضَ الرَّهْنَ وَادَّعَى ذَلِكَ

<<  <  ج: ص:  >  >>