للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأرته من شدّة وقعتها العجب العجاب، وأمر بتقبيل الأرض فأبى من حمقه، ونهي فصمّم إياسا ممّا بقي من رمقه. وكان كثير الضحك، فعمد إليه الأمير سيف الدين بكتمر السلاح دار فألقى برأسه إلى الأرض، وأقامه من سجوده / ٤٦ ب / لتقبيل يد مولانا السلطان ليحصل على السّنّة والفرض. فقبّلها مرارا، ورأى ما هاله من حسن هيئة (١) مولانا السلطان وهيبته وجميل صورته. وعلم أنّ ذا الحقّ لا يمارى.

ثم أمر مولانا السلطان بانصرافه إلى قلعة دمشق المحروسة وإنزاله في برج من أبراجها، وأن تحمل له الفرش والحكماء ويداوى، وأن يقرّر له من الإقامة كفايته وزيادة. وأحسن له - أحسن الله إليه - العادة في العيادة.

ولمّا حضر مولانا السلطان إلى القلعة من الميدان استحضره واستخبره، فأخبر بمثل ما تضمّنه الملطّف الواصل من ديار بكر من العدّة والعدّة.

وأملى عليّ قريبي الصدر فتح الدين صاحب ديوان الإنشاء الشريف مقدّمي القوم، حتى كان إملاؤه وملطّف ديار بكر لم يختلفا في مدّه.

ولمّا عزم مولانا السلطان على التوجّه للقاء القوم جهّز المذكور إلى ديار مصر. ولمّا عاد بعد نصره إلى مقرّ ملكه أحسن إليه، وأفاض / ٤٧ أ / بملابس النعماء عليه. وأجرى رزقه، ووفّاه من الصدق في الأخيار حقّه. وأطلقه من الأسار، وصيّره بعد العبوديّة من الأحرار. إلى أن مات في خدمته، وأدركه ما فاته من الموت عند صرعته.

ذكر الركوب للقاء العدوّ المخذول

ولما كانت ليلة الخميس المسفر صباحها عن اليوم المبارك الرابع عشر من شهر رجب الفرد سنة ثمانين وستماية، بات مولانا السلطان والعساكر المنصورة على ظهر قوّضت الخيام، وتهيّئات القسيّ لاعتقال عوامل السهام. وتلمّظت (٢) السيوف في الأغماد حنقا، وشكت الرماح ببعدها عن أسنّتها بطول ليل انتظارها أرقا. وزرّرت الجواشن أطواقها على اسم التحصين، وحمى الحديد فظنّ في ظلامها أنه ومضان برق أو شعاع شمس بما أبداه صقالها من تحسين. وأسفر نجّاب


(١) في الأصل: «هياة».
(٢) في الأصل: «تلمضت».

<<  <   >  >>