للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقوله: {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم:٤] يراد به: القرآن بإجماع» (١).

وما ذهب إليه هؤلاء الأئمة من أن المراد بالوحي في الآية هو "القرآن" لا شك ولا خلاف فيه، غير أنه لا يمتنع أن يراد به مطلق الوحي على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فيشمل: القرآن، والسنة. وهذا المراد هو ظاهر الآية الذي لا يحتمل تأويلًا غيره. وقد جاء تفسير هذا المراد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نفسه في أحاديث كثيرة، وقد بينت هذه الأحاديث أن ما يقوله - صلى الله عليه وسلم - هو حق تلقاه من الله تعالى. ومن هذه الأحاديث:

١ - عن عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: (كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُرِيدُ حِفْظَهُ، فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا: أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ عَنِ الْكِتَابِ، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم -، فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ: اكْتُبْ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ) (٢).

وفي رواية عند الإمام أحمد: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنِّي أَسْمَعُ مِنْكَ أَشْيَاءَ أَفَأَكْتُبُهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ قَالَ: نَعَمْ؛ فَإِنِّي لَا أَقُولُ فِيهِمَا إِلَّا حَقًّا) (٣).

٢ - عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّكَ تُدَاعِبُنَا، قَالَ: إِنِّي لَا أَقُولُ إِلَاّ حَقًّا) (٤).

٣ - عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إِنِّي لَأَمْزَحُ، وَلَا أَقُولُ إِلَّا حَقًّا) (٥).


(١) المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لأبي محمد عبد الحق ابن عطية الأندلسي "المشهور
بـ: تفسير ابن عطية" (٥/ ١٩٦).
(٢) مسند أحمد (١١/ ٥٧ - ٥٨)، رقم (٦٥١٠)، و (١١/ ٤٠٦)، رقم (٦٨٠٢)، وسنن أبي داود، كتاب العلم، باب في كتاب العلم (٣/ ٣١٨)، رقم (٣٦٤٦). وقال الألباني: «صحيح». صحيح سنن أبي داود للألباني (٢/ ٤٠٨)، رقم (٣٦٤٦).
(٣) مسند أحمد (١١/ ٥٩٣)، رقم (٧٠٢٠). وقال محققو مسند أحمد -شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون-: «صحيح لغيره». مسند أحمد (١١/ ٥٩٣)، حاشية رقم (١).
وفي رواية عند أحمد أيضًا: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! أَكْتُبُ مَا أَسْمَعُ مِنْكَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فِي الرِّضَا وَالسُّخْطِ؟ قَالَ: نَعَمْ؛ فَإِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِي أَنْ أَقُولَ فِي ذَلِكَ إِلَّا حَقًّا). مسند أحمد (١١/ ٥٢٣ - ٥٢٤)، رقم (٦٩٣٠). وقال محققو مسند أحمد -شعيب الأرناؤوط وعادل مرشد وآخرون-: «صحيح لغيره». مسند أحمد (١١/ ٥٢٤)، حاشية رقم (٢).
(٤) مسند أحمد (١٤/ ١٨٥)، رقم (٨٤٨١)، و (١٤/ ٣٣٩)، رقم (٨٧٢٣)، والأدب المفرد للبخاري، باب المزاح (ص:١٠٢)، رقم (٢٦٥)، وسنن الترمذي، أبواب البر والصلة، باب ما جاء في المزاح (٤/ ٣٥٧)، رقم (١٩٩٠). وقال الترمذي: «حديث حسن». وقال الألباني: «صحيح». صحيح الأدب المفرد للألباني (ص:١١٦)، رقم (٢٦٥).
(٥) المعجم الأوسط للطبراني (١/ ٢٩٨)، رقم (٩٩٥)، والمعجم الصغير له (٢/ ٥٩)، رقم (٧٧٩). وقال الهيثمي: «إسناده حسن». مجمع الزوائد ومنبع الفوائد للهيثمي (٨/ ٨٩)، رقم (١٣١٠٦). وقال الألباني: «صحيح». صحيح الجامع الصغير وزيادته للألباني (١/ ٤٨٩)، رقم (٢٤٩٤).

<<  <   >  >>