للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يهود، وهما من بني النضير، فجلس إلى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وسمع منه، ثم رجع إلى قومه، وكان فيهم مطاعا. فقال: أتيت من عند رجل والله لا أزال له عدوا. فقال له أخوه أبو ياسر:

يا ابن أم أطعني في هذا الأمر واعصني فيما شئت بعد لأمهلك. فقال: والله لا أطيعك.

فاستحوذ عليه الشيطان، وتبعه قومه على رأيه» .

وروى عبد الله بن الإمام أحمد في زوائد المسند عن جابر بن سمرة رضي الله عنه، أنه قد جاء جرمقانيّ [ (١) ] إلى أصحاب محمد- صلى الله عليه وسلم- فقال: أين صاحبكم هذا الذي يزعم أنه نبيّ، لئن سألته لأعلمني نبيّ هو أو غير نبي. ثم قال الجرمقانيّ: «هذا والله الذي جاء به موسى» ، الجرمقانيّ بجيم مفتوحة فراء ساكنة فميم مفتوحة فقاف فألف فنون، منسوب إلى الجرامقة.

قال في الصحاح: قوم بالموصل أصلهم من العجم، وقال غيره: وجرامقة الشام أنباطها.

وروى البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن حبرا من أحبار اليهود دخل على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فواقفه يقرأ سورة يوسف فقال: «يا محمد من علّمكها» ؟ قال: «الله عز وجل علّمنيها» ، فعجب الحبر لما سمع منه. فرجع إلى اليهود فقال: «إن محمدا ليقرأ القرآن، كما أنزل في التوراة» .

فانطلق جماعة منهم حتى دخلوا عليه فعرفوه بالصفة، ونظروا إلى خاتم النبوة بين كتفيه، فجعلوا يستمعون إلى قراءته لسورة يوسف، فتعجبوا منه وأسلموا عند ذلك [ (٢) ] .

وذكر محمد بن عمر الأسلمي أن النّعمان السّبئيّ وكان من أحبار يهود اليمن فلما سمعوا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قدم عليه فسأله عن أشياء، ثم قال له: «إن أبي كان يختم على سفر ويقول: «لا تقرأه على يهود حتى تسمع بنبيّ قد خرج بيثرب، فإذا سمعت به فافتحه» . قال النعمان: «فلما سمعت به فتحت السّفر فإذا فيه صفتك كما أراك الساعة، وإذا فيه ما تحلّ وما تحرّم، وإذا فيه أنك آخر الأنبياء، وأمّتك آخر الأمم، واسمك أحمد، وأمّتك قربانهم دماؤهم، وأناجيلهم صدورهم، لا يحضرون قتالا إلا وجبريل معهم، ويتحنّن الله تعالى عليهم كتحنّن الطّير على أفراخه، ثم قال لي: إذا سمعت به فاخرج إليه وصدّقه» .

وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يحبّ أن يسمع أصحابه حديثه. فأتاه يوما فقال: «يا نعمان حدّثنا» ، فابتدأ الحديث من أوّله، فرأى رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يبتسم، ثم قال: «أشهد أني رسول الله» .

ويقال إن النعمان هذا هو الذي قتله الأسود العنسيّ الكذّاب وقطّعه عضوا عضوا، والنعمان يقول: «أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وأنك كذّاب مفتر على الله عز وجل» . ثم حرّقه بالنار، والآثار في هذا كثيرة لا تحصى.


[ (١) ] ذكرت هذه الكلمة بضم الجيم والميم وهو على خلاف ضبط المصنف. انظر اللسان ١/ ٦٠٧.
[ (٢) ] ذكره السيوطي في الدر ٤/ ٢ وعزاه للبيهقي في الدلائل.