للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فخرج رسول الله- صلى الله عليه وسلّم- وعليه حلة حمراء، فكأني أنظر إلى بريق ساقيه، فصلى بنا الظهر والعصر ركعتين ركعتين تمرّ المرأة والكلب والحمار من وراء العنزة، فقام الناس فجعلوا يأخذون بيده فيمسحون بها وجوههم، قال: فأخذت يديه فوضعتها على وجهي، فإذا هي أبرد من الثلج، وأطيب ريحا من المسك، والله تعالى أعلم.

قلت: قال ابن سعد: فلما كان قبل يوم التروية بيوم خطب بمكة بعد الظهر فلما كان يوم الخميس ضحى توجه بمن معه من المسلمين إلى منى فأحرم بالحج من كان أحلّ منهم في رحالهم، ولم يدخلوا المسجد فأحرموا منه، بل أحرموا ومكة خلف ظهورهم فلما وصل إلى منى نزل بها فصلى بها الظهر والعصر، وبات بها، وكانت ليلة الجمعة، فلما طلعت الشمس ساروا منها إلى عرفة وأخذ على طريق ضب على يمين طريق الناس اليوم، وكان من الصحابة الملبّي والمكبّر، وهو يسمع ذلك ولا ينكر على هؤلاء ولا على هؤلاء.

قلت:

وفي حديث ابن عباس قال: غدا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يوم عرفة من منى، فلما انبعثت به راحلته وعليها قطيفة قد اشتريت بأربعة دراهم، قال: «اللهم اجعله حجا مبرورا، لا رياء فيه ولا سمعة» رواه الطبراني بسند جيد.

وفي حديث جابر ولا تشك قريش إلا أنه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية، فسار رسول الله- صلى الله عليه وسلم- حتى أتى نمرة، فوجد القبّة قد ضربت له هناك بأمره فنزل فيها، حتى إذا زالت الشمس أمر بناقته القصواء فرحلت له فأتى بطن الوادي من أرض عرفة.

قال ابن سعد: فوقف بالهضبات من عرفات وقال: «كلّ عرفة موقف إلا بطن عرنة» أي بالنون قال ابن تيمية وهو يعني بطن عرنة وادي من حدود عرفة.

فخطب الناس قبل الصلاة على راحلته خطبة عظيمة.

قلت وهو قائم في الركابين- كما عند أبي داود- عن العدّاء بن خالد-[ (١) ] رضي الله تعالى عنه-.

ونص الخطبة بعد الحمد لله، والثناء عليه، «أيها الناس: إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، وإنكم ستلقون ربكم فيسألكم عن أعمالكم، وقد بلّغت، فمن كانت عنده أمانة فليردها لمن ائتمنه عليها، ألا إن كل شيء من أمر الجاهلية موضوع تحت قدميّ، وإن أول دمائكم أضع، وفي رواية: وإن أول


[ (١) ] أبو داود ٢/ ١٨٩ (١٩١٧) .